السيدة لحظة!

عائض الأحمد

يطلبها.. يتمناها.. يذكر أول أيام لقائها، تلك اللحظة نعلن عن مستقبل أمة، نطلق صافرات الإنذار، نجمع كل المتناقضات، وتظل اللحظة هي سيدة الموقف.

تطالبني بالانتظار أياما وشهورا، وتأخذ من عمري سنوات، ونسميها أيضا لحظة.

تفرض وتقرر ونحن ننفذ في نفس اللحظة، ما بين هذه وتلك برهة؛ "لحظة سيدة الكل" تأمر.. فنطيع، تنهى.. فنجيب!

لم تكن يوما تحمل نفس الدين، هي شيء من كل الأشياء، ليست أنثى كاملة الأنوثة، في عين المتطفل تُدعى لحظة، ليست أكثر من ذلك، تهدم.. تبني.. تخذل.. تعطي.. تمسك في نفس اللحظة.

تغضب إن مرت دون ضحايا، تستنزف أجمل ما تملك، وتهبك أسوأ مما تتوقع، ثم تعود، ألم تعلم أن تلك اللحظة ليست ملكك وحدك؟ إن تسعدك فيحزن غيرك، إنها تأتيك مجرد لحظة ليست أكثر من ذلك.

نكذب، نشتم، نتعاطى العفو بلحظة  طفلة لا تحمل وزرا أو إثما، والدها أسماها لحظة!

كَبُرت ولم تكن تملك أجمل من تلك اللحظة التي اشتهرت بها، وجعلت من يلحظ بطاقة التعريف الخاصة بمكتبها، "السيدة لحظة": من فضلك هل لي بسؤال؟ فترد مبتسمة بشرط أن تتجاوز "المعنى"، ولماذا؟ وكيف؟ ثم لك الحرية أن تقول ما تشاء!!

الكاتب والشاعر يتشبث بلحظة، ليقول كل ما يريد، عندما يشعر بأثرها وهي تستنطقه فيغرق فيها ذهابا وعودة، إلى أن يستنفدها كاملة، فتمر مرورا هكذا دون خوف أو وجل، تاركة ورائها ما يرضيه أحيانا، وما يرفضه أحيانا أكثر، لكنه يترقب عودتها، لعلها تأتي بشيء آخر؛ هي لحظة ليست أكثر.

لا تصدق من يقول لك نحن من نملك أنفسنا، نحن أقدر على صنع ما نريد.. ليس هنا ولن يكون، فلم يُخلق لهذا، هو لم يفشِ سرا أن تحدث عنها، نعم إنها ليست ملكك.. أنت من وهبتها طوعا لغيرك، ولن تعود طوعا كما ذهبت؛ فهي لم تولد معك، فقد سبقتك وتعاقبت على آخرين أمثالك، رغم عمرها القصير في مسميات الزمن فانظر ماذا فعلت؟

لقد جعلت منك متسولا.. متسائلا.. خانعا، تشعر بالضعف، دفعت ثمنها ألمًا وحسرةً.

لماذا تطلب مني دائما أن أقول وتريد مني أن أشرح؟! سيدي هذا لن يكون عملي، ولن أسعى له، وليس من أولوياتي أن أبرر لك أقوالي وكل ما أفعل، واعلم بأن لك الحق كل الحق أن تتجاهل وجودي أيضا، فأنت تملك الآن أسرار اللحظة.

فمن وهبها لي قادرٌ على أن يهبها لك، فليست كما تظن هي أبسط من ذلك بكثير، عليك أن تستحضرها فقط وستجدها مجرد لحظة.

*****************

ومضة:

كانت نورًا يشعُ من بعيد، التقطته عيناي، فسرى في عروقي وجرى بها مجرى الدم.

يقول الأحمد:

 لن يصحبك بعد اليوم جاهل أو منافق، فكلاهما يحتاح إلى ناصح، وأنت لن تكون هو.