صُنّاع الأمل

 

جيهان رافع

وسط هذا الخواء نبحث عن صنّاع الأمل، فمن هم؟ ومن أين نبدأ بصناعة الأمل فينا كي نستطيع الانضمام إلى تلك المواكب؟

هم الذين يكتبون على أوراق الصباح بلغة الحنين، ويرسمون على دفاتر الحزن بألوان الفرح، هم الذين يزرعون النور في ظلمة القلوب ولو بقلبٍ منطفئ، والذين يتمسّكون بطفولة الروح ويتركون عشرات السنين القابعة في أعماق الصمت وغليان البوح، هم الذين يقولون للعابرِ أن المُحب ليس سبيلًا، ويعلّمون أطفالهم أن الإنسان الذي يغوص في عمق الكلمات ليمتاح درر المعاني ويقدمها على أطباقٍ من ذهب التعامل، يرتفع مستوى طموحه ويصبح الإنسان المناسب الذي يبحث عنه كل مكان مناسب، وسيصبح الثمين النادر الوجود، فلن يرضيه المظهر ولا تغريه مساحيق الكلمات ولن يرضيه قليل اهتمام بالآخرين ومنهم.

في وجوه صنّاع الأمل أبواب الحب مشرّعة هم الذين يتساءلون إذا أبواب الحياة مشرّعة أمام من كُتبت لهم فلمَ لا يطرقونها بفرح ومحبة وإخلاص؟ وما دمنا نحاول أن نحيا بسلام فلماذا نتخلى عن صمودنا؟

هم الذين يقولون: نحن نعلم جيدًا في هذه الأوقات العصيبة أن أرواحنا باتت بحاجة إلى المناعة أيضًا، لقد أصيبت بانهيارات جليدية والدواء نادرًا ما نُطلق له عنان البوح، لكنه بسيط ويكمن في بعض الكلمات التي نرجوها من الطرف الآخر وربما في دعاءٍ من نقاء السريرة وليس من اللسان فقط، دعاءٌ من صنّاع البياض لسواد القلوب وربما في أفعالٍ تساعد في ردءِ المُسبب أو في التقليل من كارثيته فينا. فلماذا لا نصمد في وجه التوقعات؟ ونضيّع على من ينثر سمومها فرصة تشويه أفكارنا؟ ، لماذا لا نتذكر كم من المنجمين ادعوا الإلهام بويلات وغيرها؟ فانكشف عنها القناع وبيّن لنا الله عزّ وجل كذبهم ونفاقهم فكذّبهم في عقر دار فضاءاتهم ذات الأوكسجين المسحوب من صدورنا، فتلك قالت: عن كورونا أنه سينتهي بغمضة عين خلال شهر نيسان، وأن هناك طبيبا عربيا سيبتكر له دواء في فترة وجيزة، ثم وفي شهر حزيران عندما رأت أنَّه لم ينتهِ عدّلت توقعاتها وقالت إنه مستمر وأن لا دواء له.

وذاك قال: إن الحرب الكونية لتدمير الشرق عندما صنعوا ما سُمي بالربيع العربي لن تطول كثيرًا وستنتهي خلال بضعة أشهر منذ بدايتها وها هي تكمل أعوامها العشر بكل ما أوتيت من ظلام وتدمير للعقول واندساس وتخريب، ونحن ما زلنا في مستنقع توقعاتهم ونفاقهم نتخبط، لا بل ونبحث عنهم وعن وهمٍ زرعوه في رؤوسنا كي يسلبوننا ما تبقى لنا من أوقاتٍ نعيشها بسلامٍ حتى ولو جاءت أيام عصيبة لم يتركوا فينا قوّة الاستقبال والمقاومة ونحن تركنا لأنفسنا حقّ تدمير الذات وتشويه الحياة وتركنا أرواحنا عارية أمام فيروسات الكذب والنفاق والظلم فأصيبت بقلة المناعة من الوهم والتضليل، ألم نرَ أجدادنا كيف كانوا يعيشون يومًا بيوم ويتوكلون على الواحد الأحد ويقولون: إنّ من كتب الله له الحياة لن تقتله شدّة؟!

فالسلام للذين يكتبون على أوراق الصباح بلغة الحنين ويشرقون من قلب عتمة الأيام على وجوهنا فيضيئون ملامحنا بالسلام.