ناصر بن سلطان العموري
تعمَّدتُ أن أضع عنوان هذا المقال بنفس عنوان مقال سابق طرحته في نهاية شهر مارس الماضي، عند بدء جائحة الفيروس الوبائي كورونا COVID-19 كجزء ثانٍ؛ فهُناك مُعطيات وأحداث وأرقام، وإن تغيرت ما بين تاريخ المقالين، إلا أنَّ المضمون لا يزال واحدا، وهو الاستهتار وعدم الالتزام.
فعند كتابتي للمقال السابق، كانت العدد الإجمالي آنذاك قد وصل إلى 99 إصابة، طبعا العدد لا يقارن ألبتة بالعدد الحالي، والذي وصل حتى كتابة هذه السطور إلى 58179 إصابة كعدد إجمالي، وشتان ما بين الرقمين، وإذا سألنا أنفسنا: لمَ العدد في تزايد مضطرد؟ سنجد أنَّ السبب هو نفسه لم يتغير ولم يتبدل وهو الاستخفاف والاستهتار بخطورة هذا الفيروس؛ فعلي الرغم من التحذيرات المستمرة من قبل وزارة الصحة بعدم الاستهانة واتخاذ قرارات وإجراءات احترازية منذ فترة مبكرة، إلا أن هناك من ضَرَب بهذه التعليمات عرض الحائط، وها نحن ندفع الثمن بكثرة الإصابات وازدياد عدد الوفيات رحمهم الله تعالي.
وبعدما كانت أصابع الاتهام تُشير للعمالة الوافدة بصفتهم المتسبب الأول في زيادة الأعداد تغيَّرت المعادلة الآن، ليكون المواطنون هم الأكثر عددا، وبأضعاف، بل وتساوت كِفَّتا الوفيات، وهذا إن دل فهو يدل على أن فيروس كورونا لا يفرِّق بين الجنسيات؛ فمتى ما وُجِد التقيد في عملية الالتزام بالإجراءات الاحترازية وُجِد الأمان والنجاة.
وما نَسمعُه ونراه من مخالفة الإجراءات يؤسف له صراحةً؛ فهناك من يستأجر مزرعة للترفيه مع أصحابه أو عائلته الكبيرة، وهناك من يقيم مناسبات اجتماعية يحضرها العديد من الضيوف، وهناك من يذهب للتجوال في إحدى المناطق السياحية من وادي وجبل وبحر، كل هذا وإن تقيَّد البعض بإجراءات السلامة لم يتقيد الآخر، وفي الأخير المتقيد هو من يدفع الثمن.
المؤشِّر الحالي الذي وصل إليه عدد الإصابات والوفيات مُخيف للغاية، ويطلق جرس إنذار؛ فالقادم ربما يكون أسوأ وأخطر لا سمح الله، وهذا ما لا نتمناه إنْ لم يلتزم وينفذ الجميع ما يصدر من تعليمات وتوجيهات وقرارات من قبل اللجنة العليا.
لا نُقلل هنا من جهود وزارة الصحة في التصدي لمكافحة فيروس كورونا، مشاركةً مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، لكنه من الملاحَظ أنَّ هناك حلقة مفقودة فيما تتَّخذه من إجراءات لمواجهة فيروس كورونا -ومنها دقة الفحوصات ومدى مصداقية البيانات عن هذا الفيروس، ومتابعة المصابين الموجودين في الحجر المنزلي- فنجد هناك ضبابية واختلاف في هذه المعلومات من دكتور لآخر، كما أن عدم دقة الفحوصات وتأخرها لبعض المصابين ربما يتسبَّب في انتشار رقعة الفيروس وتزايد أعداده، فيجب الالتفات هنا من قبل وزارة الصحة لمثل هذه النقاط التي قد تكون أحد أسباب انتشار الفيروس.
والسؤال المتداول عبر الرأي العام هنا: هل سيكون هناك دور للجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة خلال الفترة المقبلة، لا سيما بعد الارتفاع الكبير بإعداد المصابين مؤخرا؟ من وجهة نظري أنَّ مثل هذه المقترحات لو جاز لها التطبيق، فإنها تأخرت للغاية، بل وأسهم تأخرها بشكل أو بآخر في الحالة التى وصلنا إليها الآن، ولو أنها جاءت مبكرا منذ بداية الجائحة لكان الحال قد تغيَّر، ولكانت ذات جدوى أكثر من تطبيقها في الوقت الحالي، خصوصا بعد توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بالتعايش والتأقلم مع الوضع بحذر، وهو النهج الذي اتخذته العديد من الدول، وأري أن يتم تكثيف التوعية أكثر عن ذي قبل بمخاطر هذا الفيروس، وإعلان البيانات والمعلومات المستحدثة عن هذا الفيروس عبر كافة القنوات الإعلامية، مع تغليظ العقوبات، لا سيما المالية منها على المخالفين، حتى وإن لزم الأمر لحد عقوبة السجن للمخالفين؛ فربما من لم تَهُن عليه صحته هانت عليه بسيته وحريته!!
الرِّهان الآن على الشعب، وكما قيل "كل طبيب نفسه"، وما تمَّ اتخاذه من قرارات لخفض أعداد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة إلى 30% قرار حكيم، والحق يقال كان ينبغي التريث مسبقا وعدم المجازفة بأرواح الموظفين واستدعائهم للعمل بنسبة 50%. وأستغرب من بعض الجهات التي تُلزِم موظفيها الحضور وبأعداد كبيرة رغم خطورة الوضع الحالي. والسؤال لها هنا: هل العمل هنا أهم لديكم من الصحة؟ إذن، فما فائدة الجهود التي تُبذل للحد من هذا الوباء؟ وهل أعمال تلكم الجهات أهم من الاقتصاد الوطني المتأثر بهذه الجائحة؟!
نُدرك كينونة المجتمع العُماني من حيث التعاضد والتكاتف في الأفراح والأتراح، ولكن ينبغي الالتزام من أجل الحفاظ على صحتنا وصحة أحبائنا وأهلنا، فإنها أمانة عملاً بقول محكم التنزيل: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُ إِلَى التَّهْلُكَةِ".