فوائد الضريبة الانتقائية

أحمد بن سليمان العبري

 

يُعد تطبيق الضريبة الانتقائية على بعض السلع من مراحل التغيير التي مست المُجتمع العماني مؤخراً، باعتبار هذه النوعية من الضرائب أداة حكومية تُساعد على التحول من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع اقتصادي واعٍ.

والضرائب إحدى الطرق لدعم عجلة التنمية من أجل تحسين الخدمات العامة، بالإضافة إلى تعزيز مشاريع البنية التحتية كالطرق والمشاريع ذات النفع العام، وهي مساهم في تحقيق رؤية عُمان 2040 التي تهدف إلى إيجاد مصادر دخل غير المنتجات النفطية، بحيث يتم التخلي عن الاعتماد على تلك المُنتجات بإيجاد مصادر بديلة، بهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام وطويل الأمد للحفاظ على رفاهية المُواطن، وبشكل عام تلعب الضرائب دوراً مُهماً في اقتصاديات كافة الدول بوصفها أداة من أدوات السياسة المالية في التأثير على الإنتاج والاستهلاك والادخار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

والضريبة الانتقائية أحد أنواع تلك الضرائب وهي التي تفرض على السلع المنتجة والمستهلكة، وإن اختلفت المُسميات بين الضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع، وضريبة الإنتاج، ومما يجعل تطبيق هذه الضريبة في السلطنة إيجابيا أنَّها استعملت كأداة للتأثير على العادات غير الصحية للأفراد المُتمثلة في استهلاك المنتجات الضارة مثل منتجات التبغ والمشروبات الغازية وذلك من خلال صدور قانون الضريبة الانتقائية بموجب المرسوم السلطاني رقم 33/2019.

ومع التسليم بالآثار الإيجابية لفرض تلك الضرائب المتمثلة في المساهمة لخلق نمط صحي لدى المجتمع، وتشجيع الأفراد على تقليل الاستهلاك والعمل على الادخار بالإضافة إلى كونها إيراداً للدولة، إلا أنَّه في الجانب المُقابل قد ينتج عنها بعض الآثار السلبية إذا تمَّ فرض الضرائب بشكل متكرر ومبالغ فيه، فإنَّ تأثيرها على استهلاك الفرد يُؤثر على المنتجين والموزعين ومستوى الأسعار العام، حيث إنَّ هذه الضرائب غير المُباشرة تسري في مُواجهة الجميع الذي قد يُجبر شريحة كبيرة إلى العزوف عنها وهو ما يُؤثر على الاستهلاك بشكل عام وذلك مرتبط بعمليات الإنتاج بشكل مُباشر، فتراجع الاستهلاك قد يُقلل من حافز الاستثمار وبناء رأس المال، وكما أسلفنا فإنَّ فرض الضريبة على سلع مُنتقاة ومصنفة أنها ضارة صحياً قد يكون المبرر لذلك.

ويرى بعض المختصين بالنسبة لجذب الاستثمار أن الضرائب هي من أهم المؤشرات الاقتصادية التي يدرسها المستثمرون قبل اتخاذ قرار بدخول سوق معين، فإذا كان النظام الضريبي محفزاً للاقتصاد ويُساعد البيئة الاستثمارية كان القرار إيجابياً، والعكس صحيح، أي أن زيادة الضرائب غير المدروسة ترفع دخل الدولة ولكن تطرد الاستثمار وتضعف الاقتصاد.

ويجب الإشارة إلى أنَّ الضرائب لم تكن وليدة اللحظة وأن فرض الضريبة الأخيرة لما يكن عشوائياً وإنما نتاج تدرج متزن، حيث يعود تاريخ فرض الضرائب إلى بدايات النهضة المُباركة وتنظيمها بدءًا من عام 1971 بمرسوم خاص بضريبة الدخل، ثم بإصدار قانون ضريبة الدخل على الشركات بموجب المرسوم السلطاني رقم 47/1981 وقانون الضريبة على المؤسسات الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 77/89، اللذين تم إلغائهما وأصدار قانون ضريبة الدخل ليحل محلهما بموجب المرسوم السلطاني رقم 28/2009، والفارق بين ضريبة الدخل والضريبة الانتقائية، أن الأولى تفرض على الشركات مع شرط وجود أرباح يتم في ضوئها احتساب تلك الضريبة، أما الأخيرة فهي تفرض على المستهلك طالما قرر استهلاك أي من السلع المشمولة بالضريبة.

وقد أحسن قانون الضريبة الانتقائية حين أوكل للإدارة العامة للجمارك تحصيلها على السلع التي يتم استيرادها من الخارج، وذلك كونه يُساهم في منع التهرب الضريبي في الجزء المستورد من تلك السلع وهو الجزء الأكبر، على خلاف ضريبة الدخل التي ما تزال تعاني من فاقد كبير بسبب  التهرب الضريبي، ولعل جهاز الضرائب مدرك لذلك وساعٍ بشتى الإجراءات القانونية نحو منع تلك الظاهرة التي تُؤدي لتفويت مبالغ كبيرة على الخزانة العامة للدولة.

في النهاية نحن أمام قرارات تهدف إلى الإصلاح، ومع ذلك لا تخلو من وجود مخاطر محتملة تتطلب التأني في توالي الضرائب، بحيث تكون فعالة ومقبولة ومتضمنة رؤية واضحة نحو الأعباء الناتجة عنها، على أن تتميز بالملاءمة بين مقدارها ومدى حاجة المستهلكين لذلك المنتج، كما أن الأولى - قبل التفكير في فرض ضرائب جديدة - التركيز على منع التهرب الضريبي واتخاذ الإجراءات القانونية التي تكفل إنهائه، الذي بلا شك سوف يُؤثر إيجابياً على إيرادات الضرائب.