العام الدراسي القادم: ما السيناريو الممكن؟

د. سيف بن ناصر المعمري

تباينتْ مَوَاقف دول العالم بشأن التعليم عند بداية تفاقم جائحة "كورونا" مع بداية شهر فبراير الماضي، فوفقًا لمنظمة اليونيسف انقطع قرابة 1.2 بليون طالب عن مدارسهم بسبب الجائحة، ويشير البنك الدولي إلى أن إغلاق المدارس أثر على 103 ملايين طالب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وفي الوقت الذي عملت بعض الدول على التكيف مع هذه الجائحة الاستثنائية خلال التحول للتعلم من بُعد؛ من خلال الاستفادة من الوسائل التكنولوجية المتاحة، أو من خلال وسائل الاتصال الجماهيري التقليدية، خصوصا التليفزيون والإذاعات؛ آثرت دول أخرى إنهاء العام الدراسي، واعتمدتْ تلك المواقف على ما أسماه البنك الدولي قوَّة سيناريو التأهُّب لدى دول وضعفه في دول أخرى؛ فالدول التي لديها بنية تكنولوجية عامة، وأيضا مصادر تعليمية إلكترونية من المصادر والممارسات التعليمية، ومهارات تعلم مستقلة لدى طلابها، تمكنت من التكيف بسرعة مع إغلاق المدارس، أما الدول التي كان لديها تأهب ضعيف في تلك الجوانب، لم يكن لديها خيار إلا إنهاء العام الدراسي، مع ما يُمثل ذلك من آثار عميقة على أعداد كبيرة من الطلاب، والسؤال الآن: إذا كان العام الدراسي الماضي أُنهِي قبل موعده، كيف سيكون وضع العام الدراسي المقبل وهذه الجائحة لا تزال مستمرة؟

هذا السؤال يقُودنا طرح السؤال حول سيناريو المعد للعام الدراسي المقبل، ولا يفصلنا عن بداية العام الدراسي إلا شهرين فقط؛ طرح هذا السؤال ليس مبكرا كما يظنه البعض؛ فهو كان سؤالا محوريا في كثير من دول العالم حين ضربتها الجائحة خلال الأشهر الماضية، والتي وضعت سيناريوهات واضحة ومحددة لاستئناف العام الدراسي، والإجراءات التي سيتم بها التعليم تحت ظل هذه الجائحة؛ حدث ذلك في أكثر من بلد أوروبي في فرنسا وهولندا وألمانيا وهولندا واليونان... وغيرها، والسؤال الآن: إلى أين نتجه لاستئناف العام الدراسي: بشكل فعلي أم المضي في التكيف مع الجائحة من خلال التعلم المنزلي وبالوسائط التكنولوجية... وغيرها، أم من خلال الجمع بين الاستئناف الفعلي في الولايات التي بها إصابات قليلة، مع التعلم عن بُعد في المحافظات التي تستمر فيها أعداد الإصابات، أو من خلال تأجيل استئناف العام الدراسي لأشهر؟

في حالة استئناف العام الدراسي بشكل فعلي -وهذا احتمال ضعيف- في ظل المعطيات الحالية، لابد من وضع سيناريو واضح من الآن لكثير من الجوانب المتعلقة بقواعد التباعد الاجتماعي، والكثافة الطلابية، وطول اليوم الدراسي، والنقل إلى المدارس، ومستلزمات التعقيم داخل المدارس وهذه قواعد عملتْ بها كثير من الدول التي استأنفت العام الدراسي. أما في حالة استئناف العام الدراسي عن بعد، فهناك تفاصيل كثيرة لابد من تهيئة الأسرة والمجتمع لها، وهذا ما يؤكد عليه البنك الدولي واليونسكو في تعليماتهم للدول منذ انطلاق الجائحة، فمسألة التكيف هنا تشمل جوانب متعددة؛ مثل: طبيعة المنهج الذي يمكن أن ينفذ، وإمكانات الطلاب، والدعم الذي لابد أن يقدم للأسر لكي تتحمل متابعة التعلم عن بُعد، وتباين البنية الأساسية التقنية، وأساليب التواصل مع الطلاب: هل بالأساليب التقنية أم بالإضافة إلى ذلك سوف تتم الاستعانة بالقنوات التليفزيونية، وكيف يتم التقييم الطلاب، وما المواد الدراسية التي سيتم إقصاؤها من التقييم؟

إنَّ هذه الأسئلة مهمة جدًّا لنجاح سيناريو التكيف التعليمي مع الجائحة، والذي يتَّجه -النظام التعليمي- بدرجة كبيرة إلى المضي فيه خلال الفترة المقبلة؛ لذا فبناء رؤية واضحة وتهيئة الأسر لذلك يعد أمرا ملحا؛ لأن وضوح الرؤية والأدوار والإعلان عنها خلال هذه الفترة سوف يقود إلى التقليل من كثير من الصعوبات التي تواجه هذا الشكل من التعلم؛ والتي أكدت عليها كثير من المنظمات الدولية؛ فمنظمة اليونيسف أن من أصل 127 بلدا من البلدان التي تستخدم الإنترنت لتقديم التعليم أثناء أغلاق المدارس؛ يمتلك أقل من نصف السكان في 71 بلداً منها إمكانية الوصول إلى الإنترنت، لذا تستخدم 3 من كل 4 حكومات  من بين تلك البلدان البث التليفزيوني لتقديم التعلم عن بُعد، بل إن نسبة استخدام البث التليفزيوني في التعلم عن بُعد في بلدان منطقة أوروبا ووسط آسيا 90%، وتصل النسبة إلى مائة بالمائة في منطقة جنوب آسيا؛ وتستخدم 60% من تلك البلدان البث الإذاعي؛ وتستخدم نصف تلك البلدان الهواتف وشبكات التواصل، وتوفر نصف تلك البلدان مواد تعليمية مطبوعة، وتقدم 11 بالمئة منها زيارات منزلية للطلاب.

وفي ضوء ما تقدَّم؛ هناك مجموعة من النقاط لابد من الإشارة إليها؛ النقطة الأولى: أنَّ التعلم عن بُعد عملية معقدة ذات أساليب متنوعة ينتقل فيها جزء كبير من الثقل من المؤسسة التربوية إلى الأسر، ومن المعلمين إلى الطلاب، وهو ما يتطلب تقديم أدلة لهم لكي ينجحوا في التكيف مع هذا النمط من التعلم. أما النقطة الثانية، فهي أنَّ هذا التعلم يتطلب توافر أجهزة لدى الطلاب، وهذا تتباين فيه الأسر، ولابد من تقديم الدعم لمن هم في حاجة إليه. أما النقطة الثالث، فتتعلق بوضع كثير من المدارس الخاصة التي ستفقد عددا كبيرا من طلابها نتيجة التحول إلى التعلم عن بُعد؛ فكثير من الأسر لن تجد من المجدي دفع رسوم كبيرة مقابل التعلم عن بُعد، هذه بعض النقاط التي تؤكد أهمية التفاصيل المحددة حول النظام التعليمي الذي سيبدأ بعد شهرين؛ من أجل التقليل من المخاطر والتحديات التي تواجه التعليم خلال هذه الجائحة، كما تحتم الإجابة عن الأسئلة التي تدور في أذهان الجميع.