صراع المحاور بالإقليم وغياب الرؤية الوطنية (1)

جمال الكندي

بدأ صراع المحاور العسكرية والسياسية في المنطقة  يظهر جلياً على السطح السياسي العربي بعد ثورات ربيعها، وقد كانت سابقاً تتخذ سياقات تنظيرية بعيدةً عن السيطرة العسكرية والسياسية، أما اليوم فهذه المحاور لها امتدادات إقليمية وعربية وعالمية، وتحمل أجندات الدول في وسط غياب الرؤية الوطنية التي من أهم مبادئها الاستقلال السياسي وسيادة القرار الوطني، وهذا الأمر اختفى بعد الربيع العربي.

صراع المحاور من خلال المُعطيات الميدانية والسياسية يمكن تقسيمه إلى قسمين هما: عسكري وسياسي، وأقصد هنا أنَّه في بعض الدول يكون الصراع عسكرياً بغطاء أيديولوجي معين، وفي المقابل هنالك صراع سياسي آخر لا يتطور إلى النزاع العسكري ولكنه يُؤثر على استقلال القرارات السياسية للدولة ويؤدي إلى غياب الرؤية الوطنية المستقلة بسبب التدخلات الخارجية. صراع المحاور في المنطقة بشقيه السياسي والعسكري تغذيه ماكينة إعلامية وموارد مالية ضخمة تخرج أغلبها من دول خليجية معروفة بتدخلاتها السياسية والعسكرية في دول ما يُسمى الربيع العربي، تحت أجندات مختلفة ومتناقضة، وفي بعض الأحيان تتوحد لمُحاربة عدو مشترك، وما يحدث في اليمن شاهد على ذلك، ومن قبله ليبيا أيام العقيد الراحل "معمر القذافي". عسكرياً نجد صراع المحاور في ليبيا واليمن بارزاً تحركه السياسة، والدول الداعمة لهذه الأجندات بصماتها الإعلامية والمالية والعسكرية واضحة في مشهدها السياسي والعسكري، وتتسبب في ضياع الوحدة الوطنية بسبب الارتهان للخارج الذي له أطماعه الخاصة، فما يحدث في ليبيا من انقسام سياسي وعسكري بين محورين أحدهما في شرق ليبيا بقيادة اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" والآخر في غرب ليبيا المُعترف به دولياً بقيادة حكومة الوفاق التي يترأسها" فايز السراج" هو تأكيد على ضياع الوحدة الوطنية بعد ربيع ليبيا واختلاف الداعمين في إسقاط حكومة القذافي على رؤية موحدة فيما بينهم، فكلا المحورين تدعمهما دول معينة لها رؤيتها الخاصة في ليبيا الجديدة بعد الإطاحة برئيسها السابق العقيد "معمر القذافي" هذا الأمر خلق بيئة غير صحية أججت الصراع السياسي والعسكري والأمني في ليبيا والخاسر الأكبر هو الشعب الليبي الذي هو اليوم مرتهن للمزاج الخارجي ساعة يتقدم من هم في الشرق للسيطرة على الغرب بمُعطيات وشروط الدول الداعمة له، وساعةً أخرى ينقلب الوضع وتتغير الصورة ويسيطر من هم في الغرب على مفاصل عسكرية مهمة في غرب ليبيا، وتتغير اللهجة السياسة بتغير المعطى الميداني ويبرز لدى المنتصر أنَّ الحل في الحسم العسكري، والمنهزم الذي كان بالأمس يخوض المعارك ولا يسمع لنداء الحوار السياسي نجده اليوم يُطالب بالحل السياسي، وتبقى البلد في دوامة صراع المحاور السياسية بين من يدعم المحور "الإخواني" في ليبيا وبين من يُناهض هذا المحور من الدول العربية والخاسر الأكبر كما قلنا هو الشعب الليبي والمطلوب رؤية وطنية خالصة تجمع الشعب الليبي على قاعدة المصلحة الوطنية ووحدة تراب البلد، هذا الأمر هو الكفيل بحقن الدماء الليبية، وكما هو معروف في ليبيا هنالك سلطة أقوى من الفكر الإيديولوجي الذي يتقاتل عليه الليبيون اليوم وهي كلمة القبائل الليبية، فإذا توحدت هذه القبائل وهي معروفة على شخصية سياسية معينة تنقل ليبيا من هذا الانقسام، بشرط أن تكون وطنية بامتياز ليست مرهونة للخارج، حينها سنرى فرجاً قريباً للحرب الأهلية في ليبيا.

اليمن كذلك تعصف به دوّامة ما بعد ثورات الربيع العربي في صورة صراع المحاور السياسية والعسكرية، فهنالك محوران يتقاتلان هما: محور يعادي السياسة الأمريكية وسياسة حلفائها في المنطقة ويعرف بمحور الممانعة والمقاومة بقيادة أنصار الله وتدعمه قوى إقليمية فاعلة وهي إيران، ومحور آخر محسوب على السعودية والإمارات، وتُحركه أمريكا بقيادة "عبد ربه منصور هادي" الذي شنت الحرب في اليمن من أجل إرجاع شرعيته كما يقال تحت اسم التحالف العربي الذي أصبح تحالفاً سعودياً إماراتيا بعد خروج أغلب الدول العربية منه، هذه الحرب مازالت مشتعلة بين المحورين في هذا البلد الفقير الذي يعاني من صراع المحاور العسكرية على أرضه، فما هي إلا تصفية حسابات بين الدول على أرض اليمن تسفك من أجلها دماء اليمنيين سواءً كانوا من أتباع أنصار الله أو هادي، فهي في الأخير دماء يمنية ودمار يصيب الجغرافيا اليمنية وهذا ما نأسف له.

الوضع اليمني أعقد بمراحل من الوضع الليبي، لذلك فالحرب مستمرةً وتدخل عامها السادس، ولو نظرنا لعملية أنصار الله الأخيرة "توازن الردع الرابعة " ربما تكون هي المدخل لحوار حقيقي بين المحاور العسكرية المتنازعة في اليمن ومن يدعمهما، فهذه العملية تؤسس لنظرية عسكرية تعرف "بتوازن الردع العسكري" أي تقصف صنعاء وتقصف مُقابلها عاصمة من عواصم الداعمين لـ"هادي" وهي بذلك تخلق قناعة لمن بدأ حرب اليمن بأنَّ هنالك مكونا رئيسيا في اليمن لا يُمكن تهميشه بعد اليوم، فهو جزء مهم وفاعل في المعادلة السياسية الجديدة لليمن الجديد أوجدتها هذه الحرب، ولإسكات صوت المدافع لابد من الجلوس للتفاوض على هذه القاعدة وإيقاف هذه الحرب العبثية، ولن تقف هذه الحرب إلا إذا اقتنعت من بدأتها بأنَّ عواصمها ومصالحها الاقتصادية مُهددة بسلاح الردع الاستراتيجي، عندها يتفق اليمنيون فيما بينهم على قاعدة وطنية ينطلقون منها لإنهاء صراعهم السياسي والعسكري.

أما صراع المحاور السياسية فسوف نتحدث عنه في الجزء الثاني من هذا المقال.