لماذا تأخر قانون المطبوعات والنشر؟

 

عبد الله العليان

في عام 1984، صدر قانون المطبوعات والنشر، ومرَّ عليه منذ صدوره 36 عامًا، وتمَّ إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليه عام 2011، وهذه فترة طويلة بمقاييس التغيرات والتحولات التي تجري في عالم الإعلام، وفي مجال الثورة المعلوماتية الضخمة في كل العالم، ووسائل التواصل الاجتماعي، والجديد الذي يطرأ في هذا المجال الرهيب كل عام، وأحياناً أقل من عام يأتي بجديد.

وهذه كلها عوامل تستدعي قانوناً ينظم هذه الوسائل والتقنيات، المرتبطة بعالم الإعلام والمعلوماتية. فقانون المطبوعات والنشر بالسلطنة، تم التفكير في استحداثه بقانون جديد، يتلاءم مع التطورات الجديدة، بدأ منذ أكثر من عقد ونصف العقد تقريباً، وتم تمريره على مجلس عمان، بغرفتيه (الشورى والدولة)، وقد ناقشت اللجان في المجلسين هذا القانون وتم إبداء الرأي حول نصوصه، وتمت مراجعته، كما سمعنا منذ سنوات، وتم إحالته بعد ذلك، وكنا نتوقع صدور هذا القانون منذ أكثر من عام وليس تأخيره حتى الآن، لأن الأمر يتطلب أن يتواجد هذا القانون الجديد، وأن تكون الأمور واضحة، بالنسبة لكثير لوسائل الإعلام عموماً، ومن الصحف الإلكترونية بالأخص التي أصبحت لها نشاط بارز ومتزايد، وغيرها من المستجدات في هذا المجال.

وفي هذا العصر أصبح عالم المعلوماتية واقعاً وفارضاً نموذجه بقوة، أردنا أم لم نرد، فلا بد من التعامل والتفاعل مع تطوراته الجديدة، وهذا الواقع يجب التعاطي معه بالطريقة التي تجعلنا أكثر واقعية بهذا الجديد الوافد بوسائله وطرقه وتحدياته التكنولوجية، لكننا في الوقت نفسه، علينا نكون ملتزمين بقيمنا التي هي جزء من مواريثنا الفكرية، لأن الاختراق التقني كبيراً ويمتلك القدرة على التأثير، لكن من المهم أيضاً أن نعطي مجال حرية التعبير حقه ومساحته، كما شدد عليه النظام الأساسي للدولة، وأكد عليه جلالة السُّلطان هيثم، في خطابه في 30 فبراير الماضي، فالأمر يتطلب أن يكون القانون الجديد حاضراً وليس غائباً، وكان يفترض أن يكون ناجزاً من عدة سنوات مضت، والآن بعض الصحف الإلكترونية التي صدرت لم تكن تحت مظلة قانون المطبوعات، وقال لي أحد الصحفيين العُمانيين منذ عدة أيام، أنه أخذ الترخيص من وزارة التجارة والصناعة، وليس من وزارة الإعلام، ! مع أن الافتراض المناسب أن يأخذ الترخيص من وزارة الإعلام، لكونها الجهة المسؤولة عن إصدار الصحف، بغض النظر عن وسيلة التقنية التي تستخدم في صدورها، بل إنَّ الصحف الرسمية العمانية التي لها مواقع إلكترونية، تحتاج إلى ترخيص في عملها الإلكتروني القائم، أو أنها ربما لا تخضع لقانون المطبوعات، مع أنها مرخصة في الجانب الورقي من عقود عدة طويلة وأيضاً الصحف الإلكترونية، وهذا بسبب أن قانون المطبوعات والنشر، لم يصدر حتى الآن، والصحافة الإلكترونية ظهرت منذ عدة أعوام، والقانون القديم لا يشملها، ويفترض أن الصحافة الإلكترونية تتبع الإعلام، وليست أية جهة أخرى، فأساسها إعلامي قياساً بالصحف الورقية، وهذا يجر إلى ارتباك القوانين مع جهات عديدة،عندما تكون المسؤولية متعددة بين هذه الجهات، وتعمل إشكاليات إدارية أو "روتين" مع تعدد المسؤولية القانونية. فأمر صدور قانون المطبوعات والنشر، يفترض أن لا يتأخر كثيراً، فالحاجة له أصبحت ماسة وضرورية.

الحديث يجري منذ سنوات عن تراجع الصحف الورقية، كونها تراجعت بسبب الصحافة الإلكترونية التي يقول البعض إنها جذبت جمهورا كبيرا من المتابعين، وإن بعض الصحف تحولت إلى صحف إلكترونية، وهذا حصل فعلاً بالنسبة لبعض الصحف الورقية، التي توقف صدورها ورقياً، وصدرت إلكترونياً، لكن الواقع في رأيي أن توقف بعض هذه الصحف وتحولها إلى صحف أو مجلات إلكترونية، ليس بسبب أن الصحافة الإلكترونية نجحت في هذا الخيار، بل لأن السبب هو تكاليف الصحف الورقية مالياً، والأعباء الأخرى عند الطباعة، حيث إن بعضها تطبع في مطابع أخرى وتكلفها مادياً، ولذلك اتجهت إلى المجال الإلكتروني،لأن لا تكلفة مادية أو تكلفة محدودة، كما أن الإقبال على بعض الصحف الإلكترونية، كونها أكثر حرية في مساحة النقد في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أكثر، وهذا ما نجح في اجتذاب الكثير من المتابعين لهذه الصحافة الإلكترونية، وهذا ما لم تحققه بعض الصحف الورقية، ولذلك الرهان على قيام الصحف الورقية- إن أرادت البقاء في الصدور الورقي- أن تنزل للشارع، وأن تفتح المجال لحرية التعبير، وأن تقترب من الجمهور في قضاياه، ومشكلاته، وتحدياته، وأن تتعاطى بمهنية واحترافية في قضايا المجتمع، وهو الوسيلة المهمة التي تجد لها القبول جماهيرياً، وهذه هي الأهداف الأساسية للصحافة في عمومها.

وسبق أن شاركت في إحدى الندوات عن "التحدي الإعلامي"، في دولة خليجية، منذ عدة سنوات، وقلت ما خلاصته: إنَّ المرحلة المقبلة تتطلب الانفتاح الإعلامي، مع التدفق المعلوماتي الجديد الهائل، بتلك الصورة المتسارعة، وأصبح لا خيار لنا في قبوله أو رفضه، مع فائدته الكبيرة بلا شك في المجالات المُختلفة، وما على الدول إلا أن تقوم بتسهيل هذا التدفقات المعلوماتية، وتنظيم نشاطها بالطرق والنظم القانونية، فهذه هي الوسيلة الناجعة للدول لدعم وتوسيع الخيارات والبدائل الإعلامية من خلال دعم هذا الجانب، كما أن الجانب الأهم في هذا هو فتح حرية التعبير، بما لا يلحق الضرر بالآخرين، وتحريك الساكن الفكري والثقافي، بما يسهم في وضع الخيارات الإعلامية في مكانها الإيجابي وتعزيز روح الابتكار والإبداع في هذا الجانب المهم.