عبد الله العليان
نظمت جريدة الرؤية الأسبوع المنصرم بمحافظة ظفار، الدورة الثالثة من ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي، برعاية المُكرم اللواء الركن مُتقاعد سالم بن مسلم قطن نائب رئيس مجلس الدولة، وقد ألقى الأستاذ حاتم الطائي الأمين العام للملتقى رئيس تحرير جريدة الرؤية العمانية، كلمة في افتتاح الملتقى، أكد فيها أهمية استغلال الطفرة التكنولوجية في مجال التقنيات الحديثة، التي باتت ترسم ملاحم التحولات الجديدة من عوالم الذكاء الاصطناعي وغيرها من الوسائل والمستحدثات، وقال إنَّ: "استشرف مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي، يفرض علينا التسليم ابتداءً بأننا نعيش في خضم عالم رقمي مُتجدد تتمايز فيه وسائل الإعلام بمحتواها الرقمي المُواكب للمتغيرات والتطورات، وهو ما يفرض علينا مسؤولية كبيرة للارتقاء بمستوى المحتوى الإعلامي المُقدم".
ولا شك أنَّ المسؤولية الإعلامية الراهنة، تحتم التَّعاطي بواقعية واحترافية، مع هذا الواقع الإعلامي الجديد، المُعزز بالوسائل الرقمية المتعاظمة ومنها الذكاء الاصطناعي، وهذا بحد ذاته مسؤولية كبيرة للتفاعل مع كل جديد في مجال الإعلام الرقمي بالأخص، وأن تتقدم المصداقية بكل ما تعنيه الكلمة من التزام وطني ومهني بالكلمة التي تُكتب، أو تُسمع، أو تُنطق، في عصر باتت الشائعات والفبركات متاحة للتناول في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعيدًا عن المصداقية والالتزام الأخلاقي والقيمي في بعضها في النشر ومستلزماته المعبرة عن صحة ما يُطرح، وهذه ضمن سلبيات عالم الإعلام الجديد وتقنياته من حيث استغلال بعضهم له، ومن خلال الفضاء المفتوح الذي أصبح متاحًا للجميع دون حجب أو إقصاء، ولا شك أننا لا ننكر إيجابياته الكبيرة لوسائل التواصل في النقد، لكن نجد بعض الظواهر السلبية التي تمارس لأغراض وأهداف لا تخفى على المتابع الحصيف، والتي تحتاج إلى نظم وقوانين تتعامل بواقعية وإيجابية تُسهم في الوعي الإيجابي للطرح المنطقي والمنصف في القضايا المطروحة للتناول، وتحد من هذه الظواهر السلبية.
وقد سبق أن تكلمتُ عن أهمية مواجهة هذا التحدي، بما تمثله هذه الوسائل من تحديات، وأنها ستكون البديل الطاغي للإعلام الجديد، بحيث يصبح أكثر أهمية في الواقع الافتراضي، وهو الذي أصبح يتقدم على الوسائل التقليدية لوسائل الإعلام، وهذا ما شكّل منافسًا شرسًا للإعلام القديم، إذا لم يتم التفاعل والتأقلم مع تحدياته، ولذلك لابد من المواكبة لهذه المتغيرات في عالم الإعلام الجديد والذكاء الاصطناعي.
وقد أشرت في أحد البحوث التي كتبتها عن تأثير الإعلام الجديد على الإعلام التقليدي، الذي لا بُد له من التفاعل الجاد والسريع من الإعلام الجديد المُعزز بالتقنيات الرقمية، ومنها الذكاء الاصطناعي؛ فالتبادل الحر للإعلام في عالم اليوم، سيقلص بشكل أو بآخر من تأثير المؤسسات الإعلامية والثقافية على وسائل الإعلام بصورة كبيرة، إن لم تسارع في التعامل الجديد مع كل جديد في عالم الإعلام الرقمي، وسيسهم في بلورة مفاهيم جديدة لهذا الإعلام المتدفق الحر، ولا يمكن أن تحد الدول أو تمنع ولو بصورة جزئية هذا التدفق الإعلامي والمعلوماتي الكبير، في كل مجال وسائل الاتصال الإعلامي، فإنَّ هذه القدرة سوف تتراجع إلى حد كبير، وقد تنعدم في المستقبل، خاصة في ظل التنافس الكبير في هذا الفضاء المفتوح. والمخرج الإيجابي- كما أشرت إليه أيضًا- الذي أراه إيجابيًا ومهمًا، هو الانفتاح الإعلامي المتوازن المصحوب بالتفاعل مع الجديد القادم، واستيعاب النظم المتطورة وإدماجها في وسائلنا الإعلامية، وتأهيل الكوادر الوطنية، وإعطاء المساحة للحرية الإعلامية في مجال التناول والنقاش في قضايانا، وهذا هو الرهان الذي يُمكن الاستناد إليه في مواجهة هذا الاختراق الإعلامي الكبير.
لا شك أنَّ قضية التحدي الإعلامي الجديد في وقتنا الراهن تعتبر مسألة هامة تستدعي المراجعة والتقييم وبلورة الوسائل الجديدة، لهذه المرحلة التي باتت من الخطورة ما يحتم أن تكون لنا معطيات جديدة ومنطلقات تخدم المرحلة الراهنة، بكل تحدياتها الراهنة والمستقبلية. فلا يكفي التحذير والتخويف والتنظير الكلامي غير الواقعي لمواجهة التحديات وإنما يجب أن تتم برسم الخطط وإيجاد الوسائل الحديثة وإعداد البرامج الأكثر جاذبية وتشويقية تخدم قضايا المجتمع، وتناقش مشكلات المواطن وهمومه بصراحة وحرية بعيدا عن المبالغة والتهويل أو البتر والتحوير لأن مرحلة التحدي الفضائي ومخاطره الثقافية والفكرية وحتى الاجتماعية تستدعي- كما قلنا- إعطاء روح جديده للوسائل الإعلامية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص.ونحن لا نتحدث عن توقع أو خيال وإنما نتحدث عن واقع وحقائق قائمة حيث تستباح مجالات الفضاء بصورة نهائية، ويسيطر الأقوى تكنولوجياً على فكر العالم وعقله، فتسهل عليه كافة الشؤون الأخرى في الوقت الذي يصبح فيه العالم الأقل نموًا عديم القدرة بصفة كاملة أمام تلك القوى التي تمتلك الوسائل وأساليب الدعايات العديدة، ويتوقف على قدرة نظامها الاقتصادي على إشباع الحاجات الأساسية وتزويد الأفراد بالتعويض، ولما كانت الثقافة الكونية ثقافة غربية الأصول عبر هذه الوسائط، لأن مصدرها الدول الغنية مالكة التكنولوجيا، فإن تغلغل قيمها في عالم الجنوب يبدو أمرًا ميسورًا، إن لم تحاول ثقافات عالم الجنوب التصدي لها من خلال تطوير قواعدها العلمية والتقنية.
لذلك يرى البعض أن التأثيرات على السيادة الوطنية للدول أصبحت حقيقة واضحة في هذا الفضاء، خاصة في مجال القيم، والتي لا تتعلق بالمجال الإعلامي والمعلوماتي والاقتصادي؛ بل يتعدى ذلك إلى مجالات أخرى أكثر خطورة، وهي المجال الثقافي والهوية الوطنية، من خلال القدرة على خلق سلوكيات ومفاهيم جديدة ربما تناقض ما هو ثابت ومُستقر في مجتمعاتنا. وكما يرى سويم العزي فإنَّ عالم التكنولوجيا الإعلامية الجديدة المتزايدة: "قربّت بين أصقاع العالم وسكانه من خلال تزويدهم بالمعلومات المعطيات، موفرة للجميع فرص التعلم والتثقف ضمن إطار تطوير المجتمع الإنساني. ولتحقيق هذا التطور، تقوم الثقافة التي تنشرها التكنولوجيا برسم وتخطيط الشخصية وهوية الإنسان. ولكونها ثقافة كونية لا تتحدد بإقليم ما أو دولة معينة، فإنها تخلق الإنسان الكوني، فتدخل بهذا الشكل في تعارض مع كل خصوصية أو أصولية، أساس ذلك التعدد والاختلاف في ثقافات الأجناس والشعوب، فتفرض بهذه الطريقة نمط تفكيرها الذي يمكن وصفه بالأحادي البعد".
لكن البعض من المُهتمين بمجال عالم الإعلام يختلف مع هذه الرؤى المتداولة ويعتقد أنَّ هذا الجديد الوافد سيصب حتمًا في صالح الشعوب الأخرى التي لا تملك الكثير من المقومات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية، إلى جانب أنَّ هذا التطور سيكون له إيجابياته في التقدم العلمي والإعلامي والثقافي، إن تمَّ استغلال هذا الجديد الوافد في عالم الإعلام الرقمي وتحولاته خاصة الذكاء الاصطناعي.