ناجي بن جمعة البلوشي
لا يزيد الوقت على بضع دقائق إضافية إذا ذكرت تفاصيل أكثر عند نشر الجهات المعنية لإعلان الإصابات الجديدة لأعداد المرضى المصابين بمرض كوفيد 19، كأنْ تذكر الأرقام الجديدة المصابة مع ذكر أسماء الولايات والقرى تحديدا، فهذا الإعلان المضاف سيكون بسيطا في محتواه، لكنه فعال جدا في صناعة الوقاية الذاتية في المجتمع العماني؛ فالإنسان في غفلة طبيعية دائمة ما لم يذكَّر، وهذا الأسلوب الذي نقترحه سيُسهم في تناقص الأعداد المسجلة يوميًّا، لما سيؤديه من وضع كل إنسان احترازات حقيقية تردعه عن الاستهتار واللامبالاة التي يستشعرها دائما من قوته وصحته وعافيته؛ فهو دائما لا يبالي ولا ينظر إلى الآخرين إلا إذا أحسَّ أن الخبر يعنيه وأن الحال يقترب منه؛ لهذا يُرشد كل من أراد العبرة بالذهاب إلى القبور، وتُنصح المجتمعات التي زادت فيها الحوداث المرورية بالتبصُّر في صور الحوادث والأشلاء .
ولأنَّ الجهات المعنية قائمة بدورها الكبير في هذا الجانب، فإننا نعلم أن مثل هذا الإعلان الخاص بالأرقام المصابة بالمحافظات والولايات موجود في التطبيق الإلكتروني ترصُّد، لكنه بعيد عن البصر والسمع، وهو ما نعتبره سببًا كبيرًا في بعده عن الهاجس النفسي الذي يحمله كل إنسان معه؛ فالتركيبة النفسية للإنسان بطبيعتها لا تميل إلا إلى القوة المقابلة، ولأن التطبيق به أرقام وإحصائيات دول العالم؛ فالاطلاع عليها هو سبب يخفف القوة المقابلة للنفس الإنسانية؛ فلا يكون معها فعل وردة فعل، وكمثال نسوقه هنا على مثل هذه القوة المقابلة: فإننا نقول يشاهد الإنسان مشهد غرق طبيعي لإنسان في البحر، ويتأكد أنه تم إنقاذه، لكنه في كل لحظة يكون قريبا من البحر يأخذ كل الاحتياطات اللازمة لكي لا يكون في نفس الموقف، بينما يشاهد نفس الإنسان في السينما نفس المشهد فيكون معه شيء من التأثر من ذلك المشهد بسبب التركيز الإيقاعي والضوء المرئي للموقف، وبه سيهتم عند وجوده عند كل شاطئ، لكنه لا يهتم كل ذاك الاهتمام عند اقترابه من البحر، هذا الاحتراز لا يكاد يبين عند وجوده بالقرب من البحر بعد مشاهدته لنفس المشهد في منزله على شاشة التلفاز وهو بين أهله وأبنائه وإخوانه.
هذا الاختلاف في ردود الفعل سببه الهاجس النفسي الإنساني؛ فعندما نذكر في الإعلان أن مصابي يوم الإثنين هم من ولايات كذا، وأن المصابين في ولاية مطرح هم من قرية الوادي الكبير والحمرية؛ فإن الغالبية العظمى من الناس في هاتين القريتين أو القادمين إليهما أو المتعاملين معهما سيكونون على أعلى أهبة من الاحتياط النفسي في عدم انتقال العدوى لهم؛ لأنهم سيدخلون في حالة شك من الكل حتى من أنفسهم والقريبين منهم، ويكونون بذلك على قدر كبير من المسؤولية، بينما الآن الناس في غفلة بعيدة عما يقترب منهم؛ حيث إنهم لا يشكون في أي أحد مقابل شهواتهم وغاياتهم ورغباتهم، فهم يهملون التعليمات ولا يتقيدون بالاحترازات والتباعد الجسدي، وهذا طبيعي لوجودهم خارج دائرة الشك أو الاقتراب الحتمي والحقيقي من الوقوع.
فعندما كانت الجهات الرسمية تُعلن أنَّ الأكثرية من عدد المصابين هم من الوافدين، كان الشعور للمواطن بالاطمئنان؛ مما أدى به إلى تجاوز كل حدود الطاعة والانقياد، والتوجه إلى المخالطة وعدم الاحتراز، وها نحن اليوم نجني حصاد ذلك كله، وهو ما أظنه ما وقعت فيه محافظة ظفار، بعد أن قررت السلطات إغلاقها، فظن أهلها أنها خالية من هذا الفيروس، وبعدها سجلت معدلات عاليا جدا تفوق ما لم تسجله من قبل.
وإذا كنا نريد أن نصل إلى المعايشة مع المرض، فلا بد من تبديل أفكار المتعاملين مع هذا التعايش، وتذكيرهم دائما بأنهم محاطون بالمرض من كل جانب؛ لكي يكونوا على أقصى أهبة الاستعداد والاحتراز؛ فذكر أعراض المرض وسيلة تساعد في معرفة المريض بنفسه، والتكثيف منها سيكون له التأثير الإيجابي في التجنب والاحتراز؛ فالعادات الصحية دائما ما تكون وقاية وقناعة.