مرتضى بن حسن بن علي
مُشكلة الباحثين عن عمل هي من المشكلات الخطرة التي تواجه الاقتصاد العُماني، وتهدِّد الاستقرار الاجتماعي والأمني، وهي تتعقَّد أكثر فأكثر، سنة بعد أخرى، مع تخرُّج الآلاف من الخريجين من التعليم العالي، ولا تقتصر المشكلة على فئة دون أخرى، ومع ذلك فإنَّها تُصيب فئة الشباب الخريجين بشكل كبير، علاج مشكلة الباحثين عن عمل هو جَوهر قضية التنمية المستدامة، وليس هناك علاج فعَّال لها بعيدا عن المعالجة الجذرية لقضية التنمية برُمَّتِها، ويذهب الاقتصاديون إلى أنَّ العلاج الحاسم للمشكلة وتوليد الوظائف، هو في زيادة نمو معدل الاقتصاد الوطني، وزيادة إنتاجيته، وزيادة معدل الاستثمار لتنويع مصادر الدخل، وتحسين نظاميْ التعليم والتدريب بصورة مستمرة، وليس عن طريق خلق وظائف حكومية غير منتجة ومكلفة.
وفي ظني، فإنَّ إيجاد الحلول للمشكلة يتطلَّب السير في الاتجاهات التالية بشكل متزامن:
1- تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد "النفط" لأسباب عديدة، تم شرحها في مقال آخر.
2- إيجاد قطاع خاص مُنتِج ومتنامٍ ومُبتكر، بدلًا من القطاع الخاص بشكله الحالي الذي هو في معظمه ينتج الخدمات غير القادرة على التصدير، وليس قادرا على توليد فرص عمل مجزية.
3- ضرورة رفع وتيرة النمو الاقتصادي، ورفع مستوى الدخل القومي دون الاعتماد على النفط.
4- إيجاد إصلاح كامل وشامل في جميع أنظمة التعليم والتدريب؛ بحيث تكون قادرة على تزويد الطلاب بالمعارف والمهارات المطلوبة وأخلاقيات العمل.
5- إعادة إنتاج الاقتصاد على أسس معرفية واضحة، والاعتماد على قوَّة عمل عالية المهارة بدلا من الاعتماد على أعداد هائلة من قوة عمل وافدة ذات مهارات متدنية.
6- إعادة هيكلة الاقتصاد على قاعدة "اقتصاد السوق"، وإيجاد تغييرات شاملة في قوانين العمل.
عُمان تتمتع بمجموعة من المزايا النسبية؛ ممثلة في: توافر عدد من الخامات والثروات المعدنية، والتي لم يتم استثمارها بشكل كامل، مع احتمالات جيدة بتوافر معادن أخرى لم يتم التنقيب عنها لحد الآن، والتي قد تجعل الاستثمار في عُمان أكثر جاذبية من بعض البلدان التي تمكَّنت من جذب استثمارات متعددة. وإضافة لذلك، فإنَّ عُمان تتمتع بعدد آخر من المميزات النسبية؛ مثل:
أ- توافر الأراضي المطلوبة للمشروعات الصناعية والخدمية المختلفة، بتكاليف يمكن أن تكون معقولة نسبيا.
ب- قُربها من الدول التي تمتلك فوائض من القوى العاملة ذات مستويات تعليمية ومهارية مختلفة، وتقل تكلفتها مقارنة مع تكلفة اليد العاملة في عدد من الدول الأخرى.
ج- موقع عُمان الجغرافي المطل على ثلاثة مسطحات مائية؛ هي: بحر عمان وبحر العرب ومضيق هرمز الإستراتيجي، كما هي قريبة من دول ذات كثافة سكانية؛ مثل: الهند وباكستان واليمن والمملكة العربية السعودية وإيران وشرق إفريقيا.
د- وجود قطاعات لم يتم استثمارها بطريقة فعَّالة؛ مثل: السياحة القادرة على خلق عشرات الألوف من الوظائف؛ إذا ما تمَّ رفع العوائق العديدة أمامها، إضافة إلى إيرادات ضخمة وبالعملة الأجنبية، كما تتولَّد منها مشاريع سياحية متعددة، وفي جميع أنحاء عُمان؛ مثل: الفنادق والمنتجعات والمطاعم الفخمة وأماكن الترفيه المختلفة، والتي بدورها سوف تخلق فرصَ عمل كبيرة.
هُناك صِنَاعات عديدة أيضا يُمكن أن يوفرها النفط ومشتقاته، إضافة للقطاعين السمكي والزراعي، وهما قطاعان عانا كثيرا من أوجه الإهمال لفترة طويلة؛ فالثروة السمكية ليست فقط عبارة عن الصيد التقليدي، وإنما تمتلك القدرة على توليد صناعات عديدة؛ مثل: الصيد الاحترافي وتجميد وتقطيع وتعليب الأسماك واستخراج الزيوت والسماد، هذه الصناعات بحد ذاتها قادرة على توليد فرص عمل كبيرة، وتجلب لنا الإيرادات من العملة الأجنبية، وينطبق نفس الشيء على استعمال التكنولوجيا الحيوية في الزراعة. هناك أيضا عدد كبير من الصناعات التي قد تحل محل الواردات وتجلب الإيرادات والعملة الصعبة عن طريق تصديرها وتوفر آلاف فرص عمل.
المشاريع الصغيرة والمتوسطة تستوعب نحو 80% من مجموع العمالة الكلية في بلدان عديدة، بينما في عُمان فإنها بالكاد توفر أية فرص عمل للمواطنين، والاهتمام بها بطريقة صحيحة مثلما اهتمت بها دول عديدة، سيُسهم بتوفير فرص العمل للآلاف من المواطنين، وتشجيع الشباب على المشاريع الصغيرة، لا سيما الإنتاجية منها، فهو أو هي لا يحتاجان إلى التمويل فقط، وإنما بحاجة لتزويدهم بالثقافة المالية، وتعليم المبادئ الأساسية لعالم المال، وأهم مصطلحاته كالأصول والخصوم والبيانات المالية وميزانية الربح والخسارة، إضافة لأساسيات مبادئ علميْ المحاسبة والاقتصاد، بهذه الطريقة سوف نخلق مزيدا من رواد الأعمال الناجحين يقومون بدورهم بخلق فرص للتوظيف.
هناك أيضا العدد الكبير من الوظائف التي يشغلها الوافدون ويبتعد عنها المواطنون، بسبب النظرة الدونية لتلك الوظائف، رغم أنها وظائف مجزية، ومن المهم جدا التغلب على ثقافة النظرة الدونية، وتأهيل الباحثين عن العمل في مهن؛ مثل: النجارة والحدادة والسباكة، وفنيي تصليح السيارات والتكييف والأدوات الكهربائية... وغيرها، كما من المهم أيضا القيام بتحديد كافة المهن المطلوبة والقيام باختيار الشباب المطلوب تدريبهم بصورة مكثفة بعد إجراء مقابلات من أهل الاختصاص، لقياس ميولهم وتخصيص مدة زمنية معقولة للتدريب حسب قدرات المطلوب تدريبهم، ومن ضمنهم خريجو التعليم العالي، بعد الأخذ بنظر الاعتبار المشاريع الاقتصادية المطلوب تشجيعها، واحتياجات الشركات الأجنبية العاملة في البلد، أو تلك التي يتم التخطيط للمجيء بها للاستثمار في عمان، فإتقان المهارات المطلوبة مهم جدا.
هناك أيضا نحو 800 ألف وظيفة يشغلها الوافدون، والعديد منها وظائف فنية مختلفة، يمكننا أن نختار عدد ونوعية المهارات المطلوبة لتدريب الشباب العماني للإحلال التدريجي بدل الوافدين.
ينبغِي التفكير أيضًا في وظائف المستقبل القريب، ونُعِيد إعادة تدريب جميع العاملين فعلا، قبل أن تقوم تلك الوظائف بتهديد وظائف العاملين فعلا، ومن أجل توفير تلك الوظائف ومن ضمنها وظائف المستقبل على المسؤولين إيجاد أجوبة للأسئلة التالية:
كيف يستطيع آي مجتمع أن يعد نفسه خيرَ إعداد لدخول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؟ وأية مزايا وما نوع القوى التي من المفروض أن يمتلكها أي شعب في مثل هذه الظروف سريعة التغير، والتي يصعُب التكهُّن بها؟ كيف يُمكن اكتساب النقاط تلك؟ كيف نقدر أن نبني اقتصادا حقيقيا متعدد المصادر، ونوفر فرص العمل المجزية للجميع؟
... إنَّ عملية تنشيط وتنويع الاقتصاد، وتوفير فرص العمل، تتطلب الاهتمام بالقوى البشرية، وحين تنمو المهارات وينمو الاقتصاد المعرفي بمعدلات عالية، ويزداد الطلب على الوظائف، فيزداد الطلب على المحامين، ومهندسي التكنولوجيا الحيوية، والمحررين الاقتصاديين، ومصممي برامج الكمبيوتر، والمخططين الإستراتيجيين، كلهم يُسهمون في توفير قيمة مضافة عالية في كل المجالات التي يعملون بها؛ لأنَّ هؤلاء ناقلي المعلومات ذات القيمة المضافة لم يعودوا مرتبطين باقتصاد منطقة معينة، بل أصبحوا جزءا فعّالا ومتقدما من عالم لا حدود له ويشهد تغييرات مستمرة، إضافة إلى ذلك سوف تكون هناك وظائف لا تتطلَّب مهارات عالية -مُمثلة في مجالات الإدارات الوسطى ومندوبي المبيعات والمحاسبين العاديين والمنسقين، والفنيين والعاملين في المطاعم، ومحطات البنزين والفنادق وخدمات التنظيف والحدائق. علينا إعداد كوادر يتمتَّعون بمستويات عالية من التعليم والتدريب ويمتلكون المهارات العالية، وعدد وافر من المهندسين والتقنيين والخبراء ومخزونات معرفية هائلة وكميات كافية من رؤوس الأموال العاملة وعدد مناسب من رجال الأعمال.
قضية الباحثين عن عمل وتنمية دخولهم وتنويع مصادر الاقتصاد ليست منفصلة عن مشكلة التنمية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، ومواجهتها لا يمكن أن تتم بإجراءات جزئية أو متفرقة، وإنما تتطلب مواجهة عامة وشاملة وجادة لمجهود التنمية الشاملة كما هو مذكور أعلاه.