ليبيا بين الاستحقاق العربي والاحتلال التركي

 

 

نكبة ليبيا يجب أن تُدرس في الجامعات والمعاهد السياسية والعسكرية والأمنية للأجيال؛ لكي يتعظوا منها

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

 

يصف الإعلام الفتنوي المضلل ما حدث بليبيا عام 2011م بالثورة الشعبية على النظام الجماهيري وحكم العقيد معمر القذافي، بينما ما حدث لليبيا هو مؤامرة ونكبة توازي نكبة فلسطين إن لم نقل تفوقها.. فنكبة فلسطين حدثت في ظل بقايا حكم عثماني متخلف حاقد ومريض، واحتلالات وأطماع ومخططات غربية ورثت الأرض والوصاية عن المحتل العُثماني، وفي زمن سبق قيام دولة الاستقلال العربي، وفي ظل تخلف عربي تام في القوة العسكرية ووسائل التواصل والاتصال بين الشعوب والجغرافيات العربية التي قطعها المستعمر، وتولى أمرها بمباركة من المحتل العُثماني ورضا منه.

بينما نكبة ليبيا أتت في زمن مختلف تمامًا؛ حيث الأقطار العربية "مستقلة"، وفي زمن يعيش فيه العالم طفرة إعلام واتصالات جعلت منه قرية كونية صغيرة بكل تفاصيلها، وفي ظل جامعة عربية تُمثل بيت العرب، وبعد تخطي الأمة لتجارب معاصرة تمثلت في احتلالات وحروب شكلت مفاصل تاريخية حادة وموجعة وصادمة، لكنها لم تُنضِج على ما يبدو من وعي وقناعات النُخب السياسية بأهمية العمل العربي المشترك والدفاع العربي والتضامن العربي، فكلٌّ يسوِّق نفسه كمخلص وخادم للغرب، ويسعى لتقديم الآخرين كقرابين لوفائه للعدو؛ ظنًا منه أنه يسلك طريق النجاة والنأي بالنفس، فيكتشف متأخرًا أنه في قائمة الضحايا من قبل من يعتقد أنه حليف مخلص، هذا التحالف الذي يُشبه حلف الذئب والحمل.

وإذا سلمنا بأنَّ فلسطين ذهبت من أيدينا في غفلة تاريخية قاهرة، وفي ظروف استثنائية تكالبت عليها وعلينا من كل حدب وصوب، وإذا سلمنا بأنَّ احتلال العراق لم يكن ليكون لولا أخطاء إستراتيجية عميقة ارتكبها النظام العراقي بحق بلاده وجوارها الحيوي، تسببت في تنامي جُملة من الأحقاد والعداوات والخيانات والتخاذل بداخله ومن حوله، فإنَّ نكبة ليبيا كانت نتيجة حتمية لغباء وجهل سياسي عربي مُركب من قبل النُّخب السياسية العربية التي تقود المشهد العربي، وترسم سياساته وواقعه ومستقبله، هذا الغباء والجهل الذي جعل هذه النُخب تضحي بليبيا كدولة ونظام معًا، ولا يفرقون بين اختلافهم مع النظام وتلاقيهم مع الدولة الليبية.

نكبة ليبيا -في تقديري الشخصي- يجب أن تُدرس في الجامعات والمعاهد السياسية والعسكرية والأمنية للأجيال؛ لكي يتعظوا منها، ويعتبروا من فواحش النُّخب العربية، التي أقدمت بكامل قواها العقلية والنفسية ووعيها على بيع دولة عربية محورية للغرب، وتقديمها قُربانًا لهم وعنهم، وكأنها خاتمه لمثالبهم وعثراتهم وأحزانهم وتخلفهم معًا. الكارثة فيما بعد أن النظام الرسمي العربي بجانبه الخيِّر ترك ليبيا والليبيين لمصيرهم البائس، واكتفى بترديد عبارة: "لن نسمح بتكرار السيناريو الليبي"؛ في اعتراف جلي منهم قانوني وأخلاقي وتضامني بدورهم الكبير في تدمير الدولة الليبية، وشرعنة احتلالها لأعداء تربصوا بها 42 عامًا.

اليوم.. يأتي الغُراب التركي ليتفقد الجيف في ليبيا المنكوبة، ويبحث لنفسه عن غنائم فوق الأرض وتحتها ومما لم يتحلل، مُستغلًا صمت القبور من قبل النظام الرسمي العربي سبب نكبة ليبيا وأوجاع شعبها وكل عربي حر شريف وأحرار العالم في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ممن كانت لهم ليبيا القذافي ملاذ أمان لهم من الخوف والجوع والفرقة والشتات.

أُصِيب النظام الرسمي العربي بعَمى ألوان حاد ولم يتمكن من قراءة واقع ليبيا ما بعد معمر القذافي؛ فإذا به يواجه الأفاعي تنفث سمومها من كل حدب وصوب لتنهش ما تبقى من فتات التضامن والمشاعر العربية وماكان يُعرف بالأمن القومي العربي، هذا الأمن الذي لا يحتاج لتعريفه لهم سوى طالب سنة أولى علوم سياسية في أي جامعة عربية، ليُدركوا حجم ما اقترفوه بحق وطنهم العربي بتفريطهم في الدولة الليبية والتي ذهبت جميع معالمها وملامحها ومكتسباتها مع زوال النظام الحاكم بليبيا.

اليوم.. يأتي الطوراني أردوغان مُتحدِّيًا الأمة العربية من صلالة إلى طنجة، ويتحدث بكل بجاحة وجهر بأن ليبيا ميراث من أجداده، وأنه أتى فاتحًا وحاميًا لها من هويتها وجغرافيتها وتاريخها العربي؛ لأنه لم يجد من يواجهه ويردعه.

نكبة ليبيا ومِحنة شعبها، ودماء وأعراض رجالها وحرائرها، ومقدراتها ومكتسباتها، في رقبة الجامعة العربية بجميع أعضائها، من سعى منهم لتدمير ليبيا بنية مبيتة، ومن سكت على ذلك، ومن تبين له حجم كارثتها لاحقًا وأشاح بوجهه عن الحق.

وبالشكر تدوم النعم...،

----------------------------

قبل اللقاء: يُفترض بالنُخب السياسية العربية بعد كل هذه الحلقات من مسلسل النكبات المتتالية أن يخرجوا في اجتماعهم المقبل بميثاق شرف واحد، وبجملة واحدة فقط لا غير، يتضمن تعريفا متفقا عليه لمفهوم الأمن القومي العربي؛ حتى نطمئن أن تقديم الأوطان كقرابين وقضم أطرافها سيتوقف حتى، وإن كان بعد حين.