"عُمان نحو التعافي"

سعيد بن حميد الهطالي

إنَّ الحياة ممزوجة بروح الإنسان ونفسه وجسده، قد يعتريها ما يعتريه من فرح وحزن، وراحة وتعب، وشدة ورخاء، ويسر وعسر، وصحة ومرض، ولذة وألم. تشوبها المبهجات والمنغصات، والاستقرار والاضطرابات، والانفراجات والأزمات. لا تأتي على اشتهاء، أو مراد، أو مزاج، أو أمنيات أحد، تتقلب فصولها كتقلب أحوال البشر، وتتغير طقوسها كتغير أوراق الشجر، وتختلف مواسمها كاختلاف الثمر، وتتبدل أحوالها كتبدل ألوان الزهر.

وما على الإنسان مع تباين ظروفها، وتفاوت مواقفها، وتضاد أحداثها، إلا أن يتعايش مع مقتضيات طبيعتها، ويتأقلم مع تغيرات نوازلها، ويتكيف مع وقائع ملماتها، ويتفكر في قوارع تعاقباتها، ويتأمل في تعاقب ظواهرها. ليخرج منها بالدروس المستفادة، والعظات المنالة، والعبر الساطعة، والتجارب الناجحة، والخبرات النافعة. فوراء كل محنة منحة، وبعد كل بلاء جلاء، وعقب كل مرض شفاء.

ألمَّت بنا وبالعالم أجمع نازلة ألقت بثقل مصائبها على كل شيء. أخضعت الجميع تحت ضغط هائل، أوعزت الناس لأول مرة بالبقاء في منازلهم. سيطرت على مجمل نشاطات الحياة الاعتيادية اليومية، عطلت عجلة الاقتصاد، وكبدت الأمة الكثير من الخسائر البشرية والمالية.

ورغم هذا المصاب، وبعد هذا القلق والاضطراب، لا بد أن ينقشع السحاب، ويتلاشى الضباب وتعود سماء الحياة صافية بعد مغادرة الانحجاب.

فكما يقال: "خلق الله الضعف لتُختَبر أخلاق القوة". لذا؛ فقد مر الشعب العماني العظيم بمواقف إنسانية، وبأزمات اقتصادية، وبكوارث طبيعية أظهرت نبل صفاته، وأصالة معدنه، وسمو أخلاقه، وقوة عزيمته، وتماسك لحمته الوطنية.

فاليوم.. وبعد أن بذلت الحكومة قصارى جهودها في إدارة الأزمة، لا بد من الأخذ بزمام العزم، بجعل فيروس كورونا يضعف وينهزم، وتتحطم جائحته على صخرة تعاضد وتكاتف الشعب. حبًّا ورفعة للوطن، وامتناناً وعرفاناً لجهود عاهل البلاد المفدى -حفظه الله ورعاه- وتقديراً لجهود اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، وتضامناً مع جهود العاملين في الرعاية الصحية على تفانيهم الإنساني والوطني المبذول في سبيل الحد من تفشي الفيروس والقضاء عليه. وحفاظاً على صحة وسلامة أهلنا ومجتمعنا.

دعوة مخلصة صادقة رحيمة تنطلق عبر منصة "عمان نحو التعافي" استجابة للتوجه السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان ‎هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بأهمية التعايش والتأقلم مع هذه الأوضاع، وإيذاناً بدخول مرحلة جديدة من الالتزام من أجل الوصول للتعافي.

واحتكاما لوعي الشعب، وإيماناً بأن الدول التي لديها مجتمعات واعية هي التي تستطيع أن تحقق النجاح والتفوق في مواجهة الأخطار والأزمات والكوارث؛ باعتبارها القوة الداعمة للقوانين التي تمنحها قيمتها الفعلية والعملية.

والسؤال المطروح: ما هو الدور الإنساني والأخلاقي والوطني الواجب علينا اتباعه والقيام به تجاه أنفسنا ووطننا والآخرين؟ فماذا عسانا فاعلون لكي نصل إلى التعافي بعد خفض إجراءات الحظر، ومساندة الحكومة لدعم أدوارها وجهودها المباركة؟

الجواب المنتظر منا تطبيقاً وفعلاً لتخطي هذه الجائحة هو: الالتزام بالإجراءات الوقائية، والتحلي بالوعي الذاتي، والتعامل الناضج النابع من حس المسؤولية الأخلاقية والوطنية سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي، فالقرار الآن بأيدينا لنحمي أنفسنا وأهلينا ومجتمعنا، ونُسهم في إنقاذ اقتصاد بلادنا الذي تأثر كحال بقية دول العالم من خلال تعزيز مسؤوليتنا الاجتماعية لدعم الصندوق المخصص لمكافحة هذه الجائحة لتخفيف العبء عن ميزانية الدولة، إلى أن يتم القضاء على هذا الفيروس الغاشم بصورة طوعية.

فهل ينجح الرِّهان على أننا شعب واع مدرك لمسؤولياته، وأدواره، وواجباته، يملك حرية اختياره وإرادته، ويعي طبيعة سلوكه ونتائج تصرفاته؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة!

فاللهم اجعل هذه الجائحة تمر ولا تضر. وجنِّبنا، والأمة الإسلامية كلَّ شر ومكروه، وادفع عنا كل بلاء، ورد عنا كل وباء برحمتك يا أرحم الراحمين.