تمكين حماية المستهلك

 

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

جاءت التوجيهات السامية لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- لتقديم رؤية مستقبلية تركز على تطوير العمل بالمؤسسات الحكومية وصناعة التغيير بالسياسة العامة بما يُساعد على تأطير العمل الوطني بما يلائم التطورات والتحديات المستقبلية خاصة تلك التي تتطلب التقليل من الإنفاق المالي والاهتمام بالكوادر البشرية، والعمل على الاستفادة منها في تطوير منظومة العمل الإداري بالمؤسسات الحكومية، لذا فقط نص الخطاب السامي "فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة؛ لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها".

هذا الخطاب يُؤكد على أنَّ المرحلة المقبلة تهدف إلى صياغة منظومة إدارية فاعلة تنطلق من أنظمة الحوكمة والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، بما يخدم العمل الوطني، ويسعى نحو تحقيق رؤية "عمان 2040"، وما يحدث اليوم من تغييرات شاملة في العمل الوطني هو تنفيذ لتلك الرؤية السامية، لذا فالبلد مُقبلة على مرحلة جديدة من النهضة العمانية المتجددة، خاصة ما تشهده من معالجات تساعد على تحقيق التكامل في العمل المؤسساتي بما يُساعد على إعادة تنظيم ودمج العديد من المؤسسات، بما يحقق تكامل الجهود الوطنية في تحقيق الأهداف والغايات الوطنية العليا، من أجل المضي قدمًا نحو مستقبل واعد لعُمان وشعبها العريق.

وتعد الهيئة العامة لحماية المستهلك المؤسسة التي يستند عليها أبناء الوطن في الدفاع عنه ضد أطماع التجار، لذا فقد كان لها دور كبير خلال الفترة الماضية منذ صدور المرسوم السلطاني رقم (26/2011) الخاص بإنشاء الهيئة العامة لحماية المستهلك، هذا المرسوم كان الانطلاقة الفاعلة نحو محاربة الفساد التجاري والصناعي، فكان رجال الهيئة تحت قيادة الدكتور سعيد الكعبي عن ذلك القسم الوطني الذي قدموه من أجل العمل الوطني، ومكافحة الفساد بكافة أشكاله بما يُساعد على الوقوف مع المواطن والدفاع عنه ومُواجهة أطماع التجار بكافة السبل والأنظمة القانونية، وما هي إلا أيام قليلة حتى كان بوارد العمل الوطني، ونجاح الثقة السامية التي منحت لهؤلاء الموظفين في التصدي لكافة المُمارسات التي تخرج عن نطاق القانون العام، حتى اكتشفت أكبر قضايا الغش الموجه ضد أطفال عُمان ومستقبلها، ثم الأرز المغشوش، وقطاع الغيار المغشوشة وغيرها من قضايا الغش التي تنوعت بكافة الأشكال، وكانت تمس الأمن الغذائي للمواطن، مما يكلف الوطن خسائر بشرية ومادية على المستقبل القريب، إلا أن الهيئة كانت بالمرصاد لكل من تسول له نفسه العبث بصحة المواطن والسلع التي يحتاج إليها.

وهذه النجاحات الوطنية أثمرت إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح والحد من الفساد الذي ضرب أجزاء كبيرة من القطاع التجاري والصناعي بكافة أشكاله، مما أثر على الأرباح التي كان يجنيها هؤلاء التجار خلال كل هذه السنوات الماضية، فكانت النجاحات كثيرة، وكان المواطن يشعر بقيمته ومكانته، فقد تميزت الهيئة بعدة خصائص لم نعهدها من قبل في التعاطي على قضايا المواطن والتي أشعرته بالفخر والثقة في التواصل مع هذه المؤسسة، وفقد تميزت بالسرعة في الرد والوصول إلى موقع الحدث بأسرع وقت وفي كل الفترات، والسرعة في المحاسبة ورد الحقوق، والقدرة على اتخاذ القرار ومُحاسبة الفساد، بل عمدت الهيئة على استباق وقوع الجُرم وهي ميزة لم تكن متواجدة من قبل، فضربت الفساد في عقر داره وشنت حملات كانت تستقصي مواقع صناعة الفساد وبنائه، هذه النجاحات لم تكن تتحقق لولاء الثقة الوطنية والرغبة المترسخة لهؤلاء الرجال في الوفاء لعُمان الغالية، فهكذا عندما يكون العمل من أجل الوطن تكون الثمار نقية خالصة بإيمانهم الوطني من أجل الوقوف بجانب الوطن.

لكن في ظل هذا التعاطي مع المستهلك حان الوقت لإعادة الأمور إلى نصابها وتقنين العمل المؤسساتي بما يُساعد على تكامل العمل الوطني في حماية المستهلك، فالعديد من الجهات والمؤسسات الحكومية قبل إنشاء حماية المستهلك كانت في سبات عميق لم تقم بالعمل الوطني الذي ينبغي أن تقوم به في الوقوف بجوار المواطن، وفي ظل تقسيم العمل الرقابي اليوم على عدد المؤسسات فقد المواطن القدرة على التواصل مع تلك المؤسسات التي لم تستطع أن تقدم وسائل التواصل الفاعلة أو الوصول إلى المواطن في الوقت الذي يحتاج إليه، مما أدى إلى تنامي عودة الفساد التجاري من جديد، الأمر الذي يتطلب تمكين الهيئة بحيث تتولى كافة الجوانب المتعلقة بسلامة الغذاء والاحتكار التجاري ومحاربة الفساد، خاصة وأن المواطن لا يثق إلا في مؤسسة واحدة والقادرة على الوقوف بجواره، فبعض المؤسسات ما زالت غير قادرة على صناعة النجاحات الوطنية التي تستطيع أن تقنع المواطن بقدرتها على الوقوف بجواره وتسانده فيما يتعرض له من أشكال الاحتيال المتنوعة.

مؤلم جداً ونحن نقرأ الرد من الهيئة العامة لحماية المستهلك بكل لطف "شكراً لك.. ما يتعلق بقطاع الغذاء أصبح تابعاً لوزارة..... فيرجى التواصل معهم مباشرة"، لم يجد المواطن إلا حساب الهيئة ليستغيث به من بطش التجار وأطماعهم التي أعمتهم عن رؤية الواقع الوطني، فقد أعمت الأطماع العيون وأسرت العقول تحت بطش المال والرغبة في جمعه بكل الطرق والأساليب مهما كان نوعها، ومهما كان تأثيرها على صحة المواطن وحياته، فطالما كان المال هو الغاية فإنِّ وسائل البحث عنه سوف تتنوع ما بين النصب والاحتيال والعبث بكل السلع التجارية التي يحتاج إليها المواطن، فالصراع بين الخير والشر هو صراع أزلي نابع من حب الذات والبطش والرغبة في السلطة والمال، نابعة من النرجسية التي لا ترى إلا تحقيق الذات بعيداً عن كل القيم والمبادئ الإنسانية، وعندما تتواجد هذه الصفات في قطاع التجار يصبح المواطن عرضة للنصب والاحتيال وسلب حقوقه وموارده المالية، والأكثر من ذلك التأثير على صحته وقوته البدنية مما يخلق لدينا مواطنين غير قادرين على المساهمة في العمل الوطني.