جورج فلويد.. وفلسفة الأخلاق!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب، بمقتضى الأخلاق والحكمة، ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه" - (ابن خلدون)

 

عندما نتحدَّث عن الأخلاق الإنسانية، لابد لنا بالمرور على الفلسفات والمبادئ الأخلاقية والدينية كذلك، ولا ننسى كمسلمين أنَّ الله سبحانه وتعالى خاطب نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)، وكان يقول -عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (رواه أحمد).

يعرف الفيلسوف وأحد أهم كتاب عصر التنوير جان جاك روسو الأخلاق بأنها: الأحاسيس الطبيعية؛ التي تجعلنا نميِّز بين الخير والشر، ونتفادى ما يُلحق الأذى بنا وبالآخرين، ونميلُ إلى ما يعود علينا والمجتمع بالنفع، وهي ما تُميّزنا عن باقي الكائنات الحيوانيّة.

بينما يؤكد الفيلسوف الألماني نيتشه: أنَّ الأخلاق يجب أن تكون نابعةً من الإنسان نفسه، فعلى كل فردٍ أن يبني عالمه الأخلاقي الخاص، الذي لا يعتمد على العقل وحده، إنما يُمثّل الإنسان كلّه بنقائصه وانفعالاته قبل حكمته.

وهناك تعريف للأكاديمية الكويتية عالية شعيب، بأنَّ الأخلاق مصدرها العقل، وهي الفضائل والمبادئ السامية التي تنظِّم حياتنا وتصحِّح سُلوكنا، وهي نوعان: نظرية كفكرة في الوعي وعملية كتطبيق عملي في الواقع، ولا حدود للأخلاق، بل هي تتطوَّر وتتزايد بحسب تعلم وتعود الفرد ونجاحه بامتحان نفسه وإرادته والتغلب على شرور ذاته وإنتصاره للحق والخير العام.

ما سبق كان توطئة للموضوع الذي يشغل جانبا واسعا من التغطية الإعلامية والجدال والنقاشات، والمظاهرات التي وصل صداها القارة العجوز؛ إذ منذ سنوات لم يحدث ما يجذب الاهتمام في الولايات المتحدة بشكل خاص، والعالم بشكل عام، مثلما حصل في حادثة مقتل الشاب الأسود جورج فلويد على يد شرطي أمريكي تعامل معه بشكل عنصري وقتله؛ مما أثار غضبا شعبيا أقام مظاهرات حاشدة، بل وتعدى الأمر إلى أعمال شغب في عدد من الولايات الجنوبية في بلاد العم سام، بسبب مقتل فلويد بهذا الشكل الذي أثار غضب وضغينة الملايين في الولايات المتحدة.

... إنَّ ما حدث يفتح الباب واسعا للتحقق والتحقيق في صلاحيات الأمن المحلي، وفتح الملف العنصري على مصراعيه، لا يُمكن لدولة تتشدَّق بحقوق الإنسان وتقود وتموِّل وتحرِّض المنظمات الحقوقية العالمية، أن يحصل في عقر دارها مثل هذه الممارسات اللا أخلاقية، ولمَّا أتحدث عن الولايات المتحدة سأتوقف قليلا فقط لأذكِّر بأنَّ الرئيس الحالي هو دونالد ترامب، وهو الرئيس الأمريكي الذي قد يكون أكثر رئيس تمَّ اتهامه بالعنصرية، بل إنَّ وصوله إلى سُدة الحكم في البيت الأبيض كان على مركب الطرح غير المقبول، ولا يزال يتعرض لاتهامات بين الحين والآخر!

وحتى نرى الصورة بأكملها، فنحن لسنا بريئين من العنصرية، هناك مِنَّا من يُمارس العنصرية ضد الآخر، أخلاقنا ليست مُتجانِسَة على الدوام، ندَّعي الخلق القويم وبنفس الوقت نحتقر الملوَّنِين، نتشدق بالأخلاق ونمارس التعسُّف حتى على الخدم، تتمتَّع بعض السلطات بصلاحيات ليست موجودة لا في أخلاق المسلمين ولا حتى اليهود، علينا أنْ ننظر لأنفسنا نظرة فيها اتقاء لله أولا، ثم القناعة بأننا لسنا بأكثر من نُطفة لا تساوي شيئا، بيننا وبين الموت شعرة، وندَّعِي الأخلاق وأننا... وأننا...، ومع ذلك نمارس كل شيء يضاد الأخلاق وللطبيعة الإنسانية، إلا من رحم الله.

... إنَّ حادثة جورج فلويد تبيِّن -كما بين غيرها من حوادث مشابهة مرت بالتاريخ- أنَّ الإنسانية هي ما يجمعنا والعنصرية هي ما يفرقنا، وحتى بتاريخنا الحالي نَرَى المذابح والقتل على الهُوية في بلدان أبتُلِيت بما يُسمَّى زورًا بـ"الربيع العربي"؛ حيث مُورست أبشع الممارسات باسم الحرية، وأريقت الدماء تحت شعار العدالة!

فهل أتت حادثة فلويد لتحرك الضمير الإنساني؟!