عودة الحياة.. ضرورة لا خيار

حاتم الطائي 

لا ريب أنّ ما خلفه فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" من تداعيات ليس فقط علينا في السلطنة، وإنّما في العالم أجمع، يضعنا في موقف صعب للغاية فيما إذا كان من الأفضل استمرار غلق القطاعات ومواصلة إجراءات الفحص اليومية للمشتبه إصابتهم بالفيروس، أو أن يتم فتح القطاعات تدريجيا وبوتيرة تضمن استئناف العمل في أقرب فرصة ممكنة.

المؤكد أننا بين أمرين، أحلاهما مر، فاستمرار الإغلاق يهدد بمزيد من الخسائر غير المسبوقة في جميع القطاعات، حتى القطاعات العاملة التي لم تتعرض للإغلاق تسجل هي الأخرى خسائر، وإن كانت غير ملموسة الآن. كما أنّ فتح الاقتصاد ستكون له تبعات صحيّة ربما تمثل ضغطا على القطاع الصحي أكثر من أي وقت مضى. لكن علينا أن ننظر إلى الأمر بهدوء ودون تسرّع، فعدم فتح القطاعات تدريجيا سيتسبب في خروج أعداد كبيرة من القوى العاملة الوطنية من سوق العمل، وينضمون إلى قوائم الباحثين عن عمل، وهو أحد التحديات الكبرى التي نواجهه في الوقت الراهن، فالمؤسسات المغلقة تنزف حرفيا، بل إنّ كثيرًا منها يواجه خطر الإفلاس والمساءلات القضائية، سواء رواتب عاملين لم تتمكن من الوفاء بها، لانعدام الإيرادات إلى صفر، أو نتيجة لعدم سداد أقساط بنكية اقترضتها تلك المؤسسات لكي تتوسع وتوظف المزيد من المواطنين بين صفوفها. الحديث هنا ليس اقتصاديا بحتا، بل بشقيه الاجتماعي والسياسي، وتأثيراته الشديدة على الاستقرار الاجتماعي، ومن هنا علينا أن ننظر إلى الجوانب غير الصحية، فهذه الأخيرة نعلم جيدا أنّ قطاعًا بأكمله يقف حائط صد في محاولة باسلة للحد من انتشار هذا الفيروس اللعين، ويتّخذ من الإجراءات والجهود التوعوية ما يسهم في تحقيق نتائج إيجابية، تنعكس في الكثير من المؤشرات، ليس أقلها ما كشفت عنه إحصاءات خدمة جوجل، التي أظهرت الالتزام الكبير بين سكان السلطنة بالتباعد الاجتماعي والعمل عن بعد، من خلال التراجع الواضح في مؤشرات الذهاب والتنقل بين المنزل والعمل، وهي إحصاءات موثقة نشرها حساب "عمان تواجه كورونا" على موقع تويتر ضمن جملة من الأرقام المهمة التي ينشرها بين الفينة والأخرى.

إذن يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها أنّ الوعي الصحي بين سكان السلطنة، من المواطنين والمقيمين، كبير بل ربما نحن في عمان نتميز عن دول أخرى تتعامل مع الوباء باستهتار، كما حدث في إيطاليا وأمريكا وإسبانيا وغيرها، وحتى على مستوى الخليج والدول العربية. وهذا الوعي هو الذي ينبغي البناء عليه والتعويل على نتائجه، وليكن الأمر جليا وواضحا، بأنّه سيتم فتح القطاعات تدريجيا، والبداية بالقطاعات الأكثر إلحاحًا مثل الطيران، والتي ستوفر جملة من الفوائد، أولها عودة الآلاف من المقيمين الراغبين في العودة إلى أوطانهم، بعدما تسببت الجائحة في غلق العديد من الأنشطة الاقتصادية، ومن ثمّ إنهاء خدمات أعداد كبيرة من القوى العاملة غير العمانية، فضلا عن المقيمين بتأشيرات عائلية وتأشيرات سياحية، والعمالة السائبة التي انقضت مدة إقامتها وتقيم الآن بصورة مخالفة للقانون، كل هؤلاء آن الأوان أن يعودوا لأوطانهم.

المؤكد أن العالم لم يعد يتحمل الإغلاقات، ونحن في عمان نأمل أن يتم فتح القطاعات تدريجيا مع تطبيق أقصى الإجراءات الاحترازية، كأن يتم فرض ارتداء الكمامات في أماكن التجمعات، واستمرار وقف الأنشطة الترفيهية مثل السينما والمسرح وغيرها، وفرض قيود على المطاعم والمقاهي فيما يتعلق بالخدمة الداخلية. ومن هنا نؤكد أنّ العناية الصحية أصبحت مسؤولية فردية وعلى المخالف تحمل العواقب القانونية، وفيروس كورونا سيكون مثل الإيدز لا علاج له، لكن هناك طرق عدة للوقاية.

إنّ العودة للحياة الطبيعية باتت ضرورة ملحة، ولم تعد خيارًا يمكن بحثه، فاقتصادنا لا يواجه تحدي كورونا وحسب، بل أيضا تحدي تراجع أسعار النفط، والتعافي الاقتصادي لن يكون بنهاية العام أو العام المقبل، بل سيحتاج لسنوات بجانب استراتيجيات تعافٍ قوية، وخطط نمو غير مسبوقة، ولذلك فإنّ البدء في فتح القطاعات وتشغيل الاقتصاد من شأنه أن يساعد في تجاوز الأزمة والعبور إلى المناطق الآمنة.