بكين لن تكتفي بلقب "القوة العظمى".. بل ستحيل أوروبا على "هامش التاريخ"

"الصين تحكم العالم".. نهاية الغرب وميلاد النظام الدولي الجديد

◄ الصين الحضارة الأغنى والأكثر توحيدا وتقدما حتى القرن الثامن عشر

◄ الصين رائدة في أسلوب الإنتاج الاقتصادي القائم على السرعة والمرونة

◄ الإدارة الأمريكية "مرتبكة" إزاء فهم طبيعة النموذج الاقتصادي الصيني

◄ أمريكا تروج للديمقراطية داخل الدول.. والصين تصر على الديمقراطية بين الدول

ترجمة - رنا عبدالحكيم

يَرَى الكاتبُ البريطانيُّ مارتن جاك -في كتابه "عندما تحكم الصين العالم"- أنَّ الصين لن تحل محل الولايات المتحدة فقط كقوة عظمى رئيسية، لكنها أيضا ستعمل على تهميش أوروبا في المنظومة التاريخية، وتقلب أفكارنا الأساسية حول مفهوم "التقدم".

غلاف.jpg
 

ومارتن جاك كاتب عمود في صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، وباحث زائر في كلية لندن للاقتصاد. ويعترف جاك بأنَّ هذا التأكيد الجريء -حول الصين- يستند إلى افتراض أن لا شيء سيعرقل الاستقرار السياسي والديناميكية الاقتصادية التي تتمتع بها الصين في الوقت الراهن. وليس من الواضح أنه حتى كبار القادة في بكين يشاركون جاك إيمانه بهذه التوقعات. لكن المستقبل لا يمكن التنبؤ به، ومعرفة التوقعات، إن لم تكن قابلة للإثبات في الحاضر، أو أن تكون معقولة على الأقل. وتكمُن قوة هذا الكتاب في استكشافه الشامل والقاطع للإمكانيات التي بالكاد بدأ الكثير من الاشخاص التفكير فيها بشأن مستقبل عالم تهيمن الصين عليه.

مارتن جاك.jpg
 

وتنظر معظم الصحف والعديد من الكتب الأكثر مبيعًا إلى مسألة صعود الصين باعتبار ذلك ظاهرة اقتصادية، كما يتم تقديمها كدولة نامية، على الرغم من أنها أكبر دولة في العالم فتحت أبوابها للغرب، وسمحتْ لاقتصاد السوق على النمط الغربي بالازدهار وتصدير البضائع إلى المستهلكين الأثرياء في الخارج. كل ذلك صحيح، لكن جاك يجادل بأنَّ التركيز على الجانب الاقتصادي أغرق الغرب في شعور زائف بالأمن.

وبحسب استعراض للكتاب نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، يقول المؤلف -في الكتاب: "الموقف الغربي السائد يرى أنه في أساسياته، لن يتغير العالم بشكل كبير نسبيًا بسبب صعود الصين". وبدلاً من ذلك، يقول "إن صعود الصين سيغير العالم بأعمق الطرق".

ويشير جاك إلى أن الصين كانت الحضارة الأغنى والأكثر توحيدًا والأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية حتى القرن الثامن عشر. لكنها فقدت هذه المكانة منذ حوالي 200 عام مع تفجر الثورة الصناعية في أوروبا. وكان العلماء ينظرون ذات مرة إلى الصين على أنها تعاني من عيوب اجتماعية وثقافية وسياسية معيقة أبرزت تفوق الغرب. لكن نظرًا لسرعة وقوة النمو الصيني الأخير، فقد بدأت هذه العيوب تبدو أكثر تشابهًا.

ويجادل جاك بأنَّ النواة الثقافية للبلاد تشبه الصين القديمة أكثر مما تشبه أوروبا الحديثة أو الولايات المتحدة؛ إذ إنها تعكس تراكم الثروة بشكل أسرع بكثير من استيعابها للأفكار الأجنبية. والنتيجة، كما يقول، هي أنه من شبه المؤكد أن تصبح الصين قوة كبرى في قالبها الخاص، وليس قوة "الوضع الراهن" التي تقبل المعايير والمؤسسات الغربية التي يأمل العديد من صانعي السياسة في واشنطن ويتوقعونها.

ويشير جاك إلى أن الصين رائدة في أسلوب الإنتاج الاقتصادي الخاص بها. ففي حين أصبح اليابانيون مشهورين بالجودة وضوابط التخزين في الوقت المناسب، فقد اكتسبت الصين سمعة تجارية من حيث السرعة والمرونة. وشركاتها تنتج منتجات جيدة بما يكفي ورخيصة بما يضمن بيعها. وتواجه العديد من الشركات متعددة الجنسيات صعوبة في التنافس، حتى عندما تستخدم العمالة الصينية.

وتدير الصين اقتصادها بطريقتها الخاصة؛ إذ يتداخل القطاعان العام والخاص معًا بطرق تُربك الأمريكيين الذين اعتادوا على الفصل الصارم بين الحكومة والقطاع الخاص. ويزدهر رواد الأعمال الذين يتَّسمون بالمنافسة الشديدة إلى جانب دولة "مفرطة الحركة وكاملة الوجود" لم تتنازل أبدًا عن حقها في التدخل.

وبينما تجد الصين طريقها اقتصاديًّا، يرى جاك أنه من غير المرجح أن تنظر غربًا للحصول على المشورة السياسية. وأصبح الحزب الشيوعي الحاكم -الذي وضع أيديولوجيته الاشتراكية جانباً إلى حدٍّ كبير- نسخة حديثة من سلالة إمبراطورية. وغازل القادة الشيوعيون في الصين إحياء الفكر الكونفوشيوسي، ووضعوا أنفسهم على أنهم حماة الوحدة الصينية، وهو الدور التقليدي للدولة. ويرى العديد من الصينيين أن هذه المهمة مقدسة. لكن جاك يجادل، بمصداقية، بأن معظم الصينيين سيدعمون قادتهم، سواء بإصلاحات ديمقراطية أو بدونها، ما دامت البلاد تزداد قوة.

صورة احتياطية غير ضرورية.jpg
 

أما سؤال: كيف يمكن للعالم أن يعمل تحت الهيمنة الصينية؟ فيطرح جاك في كتابه بعض التخمينات الرائعة، بالقول إن الولايات المتحدة غالبًا ما تروج للديمقراطية داخل الدول، بينما تصر الصين على الديمقراطية في العلاقات بين الدول، وإذا تم تحديد قوة الدول على الساحة الدولية من خلال عدد الأشخاص الذين تمثلهم، فستكون الصين صاحبة النفوذ الأكبر من جميع الديمقراطيات الغربية مجتمعة.

تعليق عبر الفيس بوك