تجليات روح هادرة في ليال هادئة!

د. مجدي العفيفي

 

تتسامى النفس الأمارة بالحب في هذه الأيام الجميلة ولياليها الجليلة.. تستقطب النورانيات، أو هي التي تستقطبها، تغض الطرف عن حوادث الأيام المؤقتة.. وأحداثها الموسمية.. وثرثرتها المهلكة.. ومناسباتها المستهلكة.. إلا قليلا. تغرق في أطياف النور حتى ليستغرقها.. يسقيها ويرويها ويشبعها، ولسان حالها يتشوق: هل من مزيد؟

قل هي خطرات نفس .. قل هي ومضات حس .. قل هي نبضات حدس .. قل هي فيوضات قلب ..قل كل ذلك.. رغم محاولات الذين لا يريدون أن يسدلوا الستار على (مسرحية كورونا).. ورغم أنَّ اللعبة بدأت تتكشف، والأقنعة على وجوههم بدأ انتزاعها لتصبح مثيرة للغثيان في جنبات العالم، أو يفترض ذلك.

لن يرحمهم التاريخ، فالدنيا تغيرت الآن عمَّا قبل، وسائل التسجيل والتوثيق والكشف الدقيق لا ترحم، لكنهم لا يفقهون، وإن فقهوا ادعوا العملقة، وإن تعملقوا جاءتهم الواقعة من حيث لا يحتسبون أو يحتسبون، وهم بكل قواهم العظمى- السابقة طبعاً- لا يساوون جناح فيروس كورونا إن كان له أجنحة!

ترى هل ارتاحوا عندما أغلقوا المساجد.. والكنائس.. والمعابد؟! هيهات هيهات لما يوعدون ويتوعدون ويأملون.. (ولنا مع هذه النزغة مواقف قادمة).

تستروح النفس بعيدا عن ثرثرة الساسة والسياسة، وعن أبطال ميكروفونات الفضائيات الذين يصدعوننا ليل نهار، ويتنفس القلب بعيدا عن المحاربين العمالقة الذين تركوا فيروس كورنا يعيث فتكا بخلق الله (وصل الرقم الآن إلى أن عدد مصابي كورونا في العالم أربعة ملايين، والله أعلم) وقد انصرفوا هم إلى الحرب بينهم.. من أطلق الفيروس أمريكا والصين؟ وصارت معركة سياسية بينهم بدلا من أن تكون صحوة وصيحة صحية عالمية.

وتميل الروح إلى التنقل الجميل بين مقامات التخلي والتحلي والتجلي كعادتها السنوية، مع أنها مقامات غير موسمية، ولا ينبغي لها، تمتد العين تلتقط عبير موقف روحاني، وتنتعش الذاكرة برحيق مشهد فؤادي النزعة.

وتمارس الروح ارتعاشتها الخاصة.. والمخْلَصة.. والخالصة.. ربما.. والله أعلم..

وفي المسافة المتحركة بين كل أولئك.. يتحقق المعادل الموضوعي للذات والموضوع ما بين إشراقات الحياة المتداخلة مع استشرافات الحياة الآخرة أو (الحيوان) طبقا للتوصيف القرآني العظيم..!.

هنا وهناك كلمة مكثفة المعنى.. ولنذكر ولنتذكر أن الاتصال بين السماء والأرض يتم بالكلمة.

الكلمة حصن الحرية// أتعرف ما معنى الكلمة؟// مفتاح الجنة في كلمة// دخول النار على كلمة// وقضاء الله هو الكلمة// الكلمة لو تعرف حرمة// زاد مذخور// الكلمة نور// وبعض الكلمات قبور// وبعض الكلمات قلاع شامخة// يعتصم بها النبل البشريّ// الكلمة فرقان بين نبيّ وبغيّ// بالكلمة تنكشف الغُمَّة// الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة// الكلمة زلزلت الظالم!// الكلمة حصن الحرية// إن الكلمة مسؤولية// إن الرجل هو الكلمة// شرف الرجل هو الكلمة. رحم الله صاحب هذه الحروف النورانية النارية الثورية.. أستاذنا الكاتب والشاعر والصحفي عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته الرائعة والمروعة "الحسين ثائرًا".

نفحات ...

* "ذكره ذكري.. وذكري ذكره".. (الحلاج).

* العلماء سرج الأزمنة، كل عالم مصباح زمانه، يستضيء به أهل عصره.. (الإمام أبو حامد الغزالي)

* مجرد الغيم ليس كافيا في مجيء المطر.. (د. زكي نجيب محمود).

* ذكر بعض الحقائق، مضر ببعض الخلق، كما يضر نور الشمس بأبصار الخفافيش.. (الإمام علي بن أبي طالب).

* ما كلمت أحدا قط، وأنا أبالي أن يبين الله الحق، على لساني، أو على لسانه.. (الإمام الشافعي).

* اعمل لوجه واحد يكفيك كل الأوجه. (الشيخ محمد متولي الشعراوي) .

* الكذب هو الكذب، والصدق هو الصدق، لايمكن أن يكونا صغيرين ولا كبيرين، هناك الحياة أو الموت عندما يحل الموت ترحل الحياة لايمكن لهما أن يتعايشا معاً، أحدهما يطرد الآخر، وكذلك الأمر بالنسبة للصدق والكذب (رسول حمزاتوف).

* أَنتَ السجينُ، سجينُ نفسِكَ والحنينِ (محمود درويش)

باقة أمل...

سألت أختها الكبرى وهي ممددة على فراشها تراقب شجرة بالقرب من نافذتها:

كم ورقة باقية على الشجرة؟

فأجابت الأخت بعين ملؤها الدمع: لماذا تسألين يا حبيبتي؟

أجابت الطفلة المريضة: لأني أعلم أن أيامي ستنتهي مع وقوع آخر ورقة!

ردت الأخت وهي تبتسم: إذن حتى ذلك الحين سنستمتع بحياتنا ونعيش أياماً جميلة.

مرت الأيام ...وتساقطت الأوراق تباعاً .. وبقيت ورقة واحدة...

ظلت الطفلة المريضة تراقبها ظناً منها أنه في اليوم الذي ستسقط فيه هذه الورقة سينهي المرض حياتها.

انقضى الخريف..وبعده الشتاء..ومرت السنة.. ولم تسقط الورقة.. والفتاة سعيدة مع أختها.. وقد بدأت تستعيد عافيتها من جديد! .. حتى شفيت تماماً ..

فكان أول ما فعلته أنها ذهبت لترى معجزة الورقة التي لم تسقط، فوجدتها ورقة بلاستيكية ثبتتها أختها على الشجرة ..!!.

إنه الأمل، روح أخرى، إن فقدتها فلا تحرم غيرك منها .. إنه يصنع المعجزات، ويغير شكل المستقبل.. ويقذف في القلب الرضا والسعادة.. نتحدث عن الأمل في الله والتوكل عليه واليقين بأنَّ الله لا يريد بنا إلا الخير. "شكرا للقارئ الكريم صاحب هذه الرسالة".

وهل نيل المطالب بالتمني؟

يقول محدثي متحسرا :

لو أننا ننظر إلى القرآن مثل ما ننظر إلى الهاتف، لختمنا القرآن في أيام معدودة...

ولو أننا نحرص على الصلاة، كما نحرص على شحن هواتفنا لغفرت ذنوبنا...

ولو أننا نتصدق بقيمة الرصيد الشهري، لثقلت موازيننا وشفيت أمراضنا وفرجت همومنا...

ولو أننا نبحث ونهتم بأرحامنا وجيراننا كما نهتم بالأعضاء المضافين بقنواتنا وصفحاتنا، لغشيتنا رحمة الله.».

نعم .. من حقك أن تتحسر يا صديق وتستحسر!

جوهر الشيء أولا..

جاء في الأثر الجميل..

مرت امرأة على مجلس فقالت: من الفقيه فيكم؟

فأشاروا إلى أحدهم، فقالت له: كيف تأكل؟

فقال لها: أسمي باسم الله وآكل بيميني وآكل مما يليني وأصغر اللقمة وأجيد المضغة.

فقالت له: وكيف تنام؟

قال: أتوضأ وأنام على جنبي الأيمن وأقرأ وردي من الأذكار.

فقالت: أنت ﻻ تعرف أن تأكل وﻻ تعرف أن تنام.

فنظر لها وقال مستغربًا: إذًا كيف الأكل والنوم؟

فقالت له: ﻻ يدخل بطنك حرام وكُل كيف شئت.. وﻻ يكون في قلبك غلٌ على أحد ونم كيف شئت..

وما أخبرتني به هو أدب الشيء، وما أخبرتك به هو جوهر الشيء.