الهيئة العامة للشباب

 

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alasidi2@gmail.com

 

الشباب هم الثروة الوطنية التي يعتمد عليها في تحقيق الموارد الاقتصادية، وهم مستقبل الوطن ورواده، وعلى سواعدهم وأفكارهم البناءة تتقدم الدول وتستنهض الشعوب أفكارها وتبدع في بناء ذاتها، وتحقق رغباتها مما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية، هكذا ينظر إلى هذه الفئة لمن يريد أن يعيد ترتيب أولوياته حتى يستطيع أن ينهض بالوطن في مرحلة تُعد من أفضل الفترات إلى تحقيق الذات، والاعتماد على الكفاءات الوطنية القادرة على الاستفادة من الإشكاليات وتحويلها إلى فرص من أجل التعلم والإنتاج والعمل، لنقف أمام قدرات وقوى قادرة على أن تبتكر وتنتج وتعطي وتقدم الكثير من أجل عُمان، خاصة عندما يتم منحها الفرصة من أجل تقديم ذاتها والاستفادة من إبداعاتها وأفكارها وقدراتها في معالجة المشكلات التي نواجها، والأمثلة كثيرة على ما قدمه الشباب في هذه المرحلة وكيف تمكنوا أن يتولوا زمام المبادرة في الفترة التي كان الوطن بحاجة إليهم.

فهم أبناء الوطن المخلصين الذي لا يذخرون جهداً دون أن تكون لهم الكلمة الحقيقية والأفعال التي تبرهن على مدى حبهم لهذا الوطن، لذا فهم يمتلكون الكرة وعليهم تحديد مسارها للهدف الذي يسعون إلى تحقيقه، ولكنهم يحتاجون إلى الدعم والمساندة في مواجهة العديد من التحديات والمعوقات التي كانت تمثل لهم جبلاً عظيماً وضعت في سبيل ممارسة أعمالهم، أو تحويل أفكارهم وابتكاراتهم إلى واقع يخدم هذا الوطن، عاشوا في مرحلة كانت البيروقراطية السائدة في المؤسسات الحكومية سداً منيعاً أمام القيام بأي مشروع وطني فلم يحصلوا على الدعم المادي ولا المعنوي وأصيب العديد منهم بالإحباط عندما نفذ الصبر ونفذ ما يمتلكه من مال ضاع في سبيل الحصول على الموافقات وإنهاء الإجراءات لتتحكم كل تلك الطموحات أمام البيروقراطية المقيتة، وينتهي الأمر للبحث عن وظيفة في القطاع الحكومي أو الخاص، وهذا هو ما حدث للكثير من المبادرات الوطنية التي أريد لها بفعل فاعل أن تموت في الأدراج دون أن ترى النور، فقط لأننا نتعامل مع عقول مضت عليها عقود وهي متخومة بتلك المقاعد الجلدية الفاخرة، لا يشعرون بحجم معاناة الشباب لا يدركون معنى مبادراتهم وأفكارهم التي لابد لها أن ترى النور.

ولكن الأزمة الحالية كشفت الكثير من ذلك، كشفت كيف وئدت تلك المشاريع في مهدها، وكيف استطاع الشباب العُماني أن يستبسل ذاته ويشمر عن ساعديه ويستفيد من الفرصة التي منحت له، ويظهر قدراته في الابتكار الذي يتلاءم مع الازمة الوطنية والعالمية، لنقف أمام ملحمة وطنية غاب عنها الكثيرون ولم يستطيعوا أن يقدموا شيئا لهذا الوطن، سواء هؤلاء الشباب الذين أثبتوا حجم قيمتهم ومكانتهم التي لابد يحصلوا عليها، ويتخلصوا من العديد من الإجراءات التي أرهقت كاهلهم لتتحول إلى إنجازات وطنية، تعيد النظر من جديد إلى الحكومة في صياغة منهجية جديدة في دعم هذه المورد الذي لا ينضب، بل ولابد من العمل من صياغة استراتيجية وطنية تقدر قيمة الشباب ومكانتهم، وتعمل على تقديم الدعم الحقيقي لهم، بعيداً عن التنظير، وبعيداً عن الاحلام التي يريد البعض أن يصعد بها على حساب هؤلاء الشباب، بل هم بحاجة إلى سياسية حقيقية وفاعلة تساعدهم على النهوض بأفكارهم ومواجهة التحديات التي تقف أمام طريق نجاحاتهم.

لذا فإنّ هذا الاهتمام لابد أن يتجسّد في مؤسسة حكومية قادرة على تحقيق رغبات الشباب وطموحاتهم، من خلال إنشاء الهيئة العامة للشباب، والتي لابد أن تنطلق من ثلاثة محاور أساسية وهي: التدريب والتطوير، والدعم والمساندة، والتسويق، وهذه الأطر لو فعلت في إطار مؤسسة فاعلة لتمكنت من تحقيق العديد من المشاريع الشبابية وحولتها إلى مشاريع اقتصادية تحقق الموارد المالية، وتعمل على توفير فرص العمل، مع العمل على دمج بعض المؤسسات المعنية بالشباب في إطار هذه المؤسسة كاللجنة الوطنية للشباب، والهيئة العامة للصناعات الحرفية، والتي تمثل عبئا على الحكومة دون وجود فاعلية حقيقية لها على الواقع، لذا فإعادة هيكلة هذه المؤسسات في إطار مؤسسة واحدة تخدم الشباب وتعمل في إطار وطني قادر على تحقيق الرؤى وتحويلها إلى واقع يحقق مخرجات تخدم العمل المؤسسي.

ما نعرضه اليوم من رؤى ودعم للقرار الحكومي ليس من أجل التقليل من قيمة أحد، ولكننا بحاجة إلى الاستثمار الحقيقي للموارد البشرية، فُعمان بلد عظيم بني على سواعد أبنائه الأوفياء وتمكنوا من بناء حضارة عميقة ضاربة في جذور التاريخ القديمة أثبتت للبشرية حجم إنجازاتها في مختلف المجالات، واليوم نحن بحاجة إلى إعادة ذلك التاريخ الذي سلب منا، لأنّ هذا البلد يمتلك أكثر من مليون شاب، فهو مجتمع فتي، يدرس في مدارسه أكثر من نصف مليون طالب، يمثلون ثروة وطنية أغلى من أي ثروة طبيعية أخرى، كلها سوف تنضب ويبقى الإنسان القادر على التفكير والإنتاج، وهو ما ينبغي أن نعمل على استثماره في الوقت الحاضر، فلا يمكن لأي بلد أن يقوم على سواعد الآخرين أو على منتجاتهم أن تكون له مكانة بين الأمم، فهو يبقى رهينا لهم مهما كانت القدرات المالية التي يمتلكها، ولكنه يصبح وطناً قويا عندما تكون موارده من أبناء شعبه، هذا الشعب العظيم الذي ينبغي أن نقدر إمكانياته ونحولها إلى قدرات اقتصادية منتجة، فبدون الاستثمار فيه لن نحقق شيئا.