د. أحمد بن عبدالكريم عبدالله
الأمة التي لا تنتج تموت ولو كانت جبالها من فضة وسهولها من ذهب.. فمهما عظمت ثروات وخيرات أي بلد ولم يتم تنفيذ الخطط الناجحة للاستفادة من تلك الثروات لحساب مستقبلها فسيكون مصيرها النضوب والفناء، ولن تستطيع أن تؤمّن الرفاه والاستقرار المعيشي لمستقبل أبنائها في مقابلة التحديات والظروف. والحقيقة أنّ بلدنا فيها من الخيرات الكثيرة والنعم الوفيرة لو تمّ استقلالها الاستقلال الأمثل وتوجيهها التوجيه المجدي لاستطعنا تجاوز كل المتغيرات.
لقد كانت رؤية المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد (طيب الله ثراه) وسعيه الدؤوب منذ بداية حكمه أن تكون لعمان المكانة المرموقة بين الدول كما كان ماضيها، حيث قال (إنّ هدفنا السامي هو إعادة أمجاد بلادنا السالفة. هدفنا أن نرى عمان استعادت حضارتها الآفلة وقامت من جديد واحتلت مكانتها العظيمة) كما كان يدعو ويحث دائمًا طوال فترة حكمه وبشكل مستمر للعمل على الإسراع في تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر دخل ثابت ورئيس.
وواقع حالنا اليوم ونتيجةً للانهيارات الكارثية في أسعار النفط وطبيعة اقتصادنا الاستهلاكي المعتمد بشكل ٍشبه كلي على الواردات في تلبية مختلف حاجاتنا الاستهلاكية والاستثمارية يخاطبنا ويدعونا لضرورة النهوض والتحرك العاجل ويقول لنا إننا لا نريد أن نكتفي بالخطط والدراسات النظرية والمؤتمرات ولكننا نريد التنفيذ والعمل الجاد لتحقيق الأهداف وتجاوز التحديات، نريد اقتصادا منتجاً وثقافة عمل منتجة مدّعمة بالتكنولوجيا الحديثة والمعرفة، نريد أن نبني مجتمعاً يقدّس العمل ويحبه كما كان أجدادنا العمانيون سابقاً يقدّسون أعمالهم في الزراعة والفلاحة وتربية الحيوانات والبحر وفي جميع المجالات الصناعية الأخرى التي كانوا يمارسونها، لا نريد مجتمعاً استهلاكياً يعتمد على غيره في صناعة وتوفير ما يحتاجه. فلقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على العمل والإنتاج فقال: (ما أكل أحدُ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).
لماذا لا ننتج غذاءنا وكساءنا ودواءنا وكل حاجاتنا؟ ولماذا لا نطوّر قدراتنا وإمكانياتنا في العلم والمعرفة والصناعة ونبني ثقافةً ومجتمعاً صناعياً؟ (فلا تنمية بلا صناعة) ولا تقدم أو تمكين بلا صناعة! وبالصناعة يمكننا أن نحل الكثير من أمورنا وتحدياتنا المتنوعة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فالأمم المنتجة الأخرى ليست بأفضل منا في شيء. ولو كان قد تم إعطاء الأولوية في موازنات الخطط الخمسية السابقة لتخصيص جزء مالي مجزٍ وبشكل مستمر لتطوير ودعم الصناعة ومراكز البحث العلمي والتكنولوجي لكانت كافية لبناء أجود الصناعات تقدما وأفضل مراكز الأبحاث العلمية تطورا، ولكن لكل مرحلة ظروفها وأسبابها، فما فات فات وما هو آت آت ولا بد لنا من عدم الاستسلام والسبات والحمد لله على جزيل فضله ودوام نعمائه، ولا بد لنا اليوم من النهوض وتلبية النداء بأن نقوم بجد ونشمّر عن سواعدنا لبناء نهضة عمان المتجددة، بروح وفكر راقٍ ومتطور وبقيادة ملهمة وحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وأعانه في كل مسعاه وسدد على طريق الخير خطاه، والحقيقة تقول أنّ الأمم والشعوب الحية والعظيمة لا تموت أبداً، فلنجتهد ونعمل من أجل خدمة وطننا الغالي عمان ورفعة اسمه عاليا.