العلم والتحول الرقمي

 

د. أحمد بن عبدالكريم بن عبدالله

 

سبحان من يُغير ولا يتغير سبحان من يبدل ولا يتبدل كامل الوصف والصفات العليم الحكيم الذي أمرنا بالاهتمام بالعلم والتعلم، فقال في محكم كتابه العزيز (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ثم قال (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، ذلك ليدلنا على فضل العلم والتعلم والبحث العلمي وأهميته والسعي إلى زيادته والاعتناء به فمهما وصلنا أو وصلوا فلن يصل أحد إلى منتهاه. هكذا هو العلم وهكذا هي مكانة العلم والعلماء أياً كان نوعه أو مجاله أو تخصصه فكل العلوم تخدم البشرية والإنسانية إذا ما تم توظيفها بشكلها العلمي الصحيح والمفيد.

لقد ميز الله سبحانه تعالى الإنسان وحده وأكرمه دون سائر المخلوقات بالعقل وهو أساس الفكر وأداة العلم والذي هو محور حديثنا، ففي  كل العصور ومنذ أن خلق الله هذا الكون والإنسان المتعلم هو من يفكر ويبحث ويجرب ويخطط ليطبق محصلة فكره وما توصل إليه من ابتكار أو إبداع وليصل في النهاية إلى مرحلة العمل والإنجاز بما أوتي من إمكانيات تساعده على ترجمة هذا الفكر إلى واقع علمي ملموس تستفيد منه البشرية وليكون هذا الأمر سنة الحياة في الكون لإثبات ديمومة العلم. وهو أن العلم لن يتوقف ولن يصل أحد إلى منتهاه مهما بلغ من العقل والقوة والجبروت وستبقى هناك قاعدة إلهية حتمية هي أن الأمم والشعوب لن ترتقي أو تتطور أو تحقق ما تصبو إليه من رؤى أو أهداف إلا إذا أعتنت بالعلم والعلماء ومتابعة آخر ما توصل إليه مهما كان نوع الفكر السياسي أو الآيدولوجي لهذه الأمة أو شكلها أو معتقداتها.

ومما لا شك فيه أن العالم اليوم يسير في تطور تكنولوجي هائل وتحول رقمي سريع لم ولن يتوقف أبداً وستبقى الحضارة والأمة المتقدمة في العلم هي التي تسود هذا العالم والمحرك الرئيس له. فالعلم ليس له علاقة بالجنس أو الدين أو اللون أو المعتقد إنما هو عبارة عن مادة وفكر عقلي متاح لمن أراد أن يسمو ويعلو بمكانته ويجد له موقعا متميزا بين الأمم. لذلك فعلينا أن لا نتخلف عن الركب أو نتقهقر عن مواكبة آخر تطورات العصر العلمية والتكنولوجية وما بلغه من تحول وتسارع لا مجال فيه للتأني أو التأخر وألا سنصبح في عالم آخر متأخر لا نستطيع فيه التعايش مع العالم المتقدم بسبب تخلفنا الكبير عن الركب.

ومنذ انطلاق الثورات الصناعية التي ارتكزت على اختراع المحرك الذي يعمل بالفحم، ثم جاءت بعدها الثورة الصناعية الثانية المرتكزة على الإنتاج الصناعي الضخم من خلال استخدام الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية، لتأتي بعدها الثورة الصناعية الثالثة التي ارتكزت هي الأخرى على اختراع الكمبيوتر الشخصي والإنترنت والتقدم التكنولوجي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حتى جاءتنا بعد ذلك الثورة الصناعية الرابعة منذ عام 2000 باختراعات وتطورات علمية أخرى متسارعة ترتكز على تقنيات التحول الرقمي المبنية على إنترنت الأشياء والإنترنت فائقة السرعة وتقنيات تحليل البيانات والذكاء الصناعي والروبوتات وتكنولوجيا النانو والطباعة ثلاثية الأبعاد. وحاليًا نتهيأ للدخول إلى الثورة الصناعية الخامسة التي ستعزز تكنولوجيا التحول الرقمي المتسارع والتقدم التكنولوجي الهائل من خلال الأجهزة الذكية والاتصالات والعالم الافتراضي وستبدأ فيها محاولة العمل على إجراء تصالح وتفاهم بين دور الإنسان والآلة.

مما سبق ذكره وتداوله من حديث عن العلم والتطور التكنولوجي الهائل والتحول الرقمي المُتسارع في العالم المتقدم يؤكد لنا أهمية هذا الشأن للحاق بركب المتقدمين في المجال العلمي والتكنولوجي والتنموي بكل مجالاته وأبعاده ونتائجه، وما قرأناه في الرؤية المستقبلية لبلادنا الغالية "عمان 2040" من أهداف ومحاور وممكنات لجعل عمان تكون في "مصاف الدول المتقدمة" والدفع بها وكل مؤسساتها وكوادرها البشرية لمواكبة العصر وتطوراته العلمية والتكنولوجية ليعد مثار فخر واعتزاز لنا جميعاً كعمانيين نتزود من تاريخنا العريق وموروثاتنا الغنية ومفكرينا وعلمائنا وروادنا الأجلاء في الماضي والحاضر  في شتى المجالات ولتكون رؤية "عمان 2040" المقيمة بإنجازاتها حسب الخطط السنوية والخمسية دافعاً لنا لتحقيق نهضة عمان المتجددة تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وهناك بما لا يدعُ مجالا للشك تطورات وإنجازات عظيمة متوافقة مع رؤية "عمان 2040"، ومع التطور التكنولوجي المتسارع قد تمَّ تحقيقها وقد شاهدناها وسمعنا عنها وسنسمع عن غيرها بإذن الله تعالى في الأوقات القريبة القادمة وخير مثال على ذلك إنشاء الأكاديمية السلطانية للإدارة تحت الرعاية الفخرية لجلالة السلطان والتبعية الإدارية لديوان البلاط السلطاني، وكذلك أكاديمية الابتكار الصناعي التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، شاكرين جهود كل القائمين على هذه المنجزات الوطنية الهامة والهادفة مُتمنين لهم التوفيق آملين من جميع المؤسسات وأجهزة الدولة الحكومية والخاصة وبالأخص التعليمية منها السير على هذا النهج والمسار مستلهمين من رؤية "عمان 2040" ومن أهدافها ومن النهضة العلمية والتكنولوجية العالمية الحديثة خارطة طريق لها.