رمضان وذكريات زمان

◄ رمضان هذا العام مختلفا تمامًا عن بقية الأعوام الماضية بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا

علي النعماني

ما إن تقترب منا نسمات شهر رمضان الفضيل وتُخيّم على أجوائنا نفحاته العطرة الطيبة؛ حتى تهفو القلوب لزمن الطفولة الجميل، وتسترجع الذاكرة المواقف التي لازالت راسخة في لب أدمغتنا ومستودع قلوبنا، تمر علينا الذكرى الجميلة لرمضان كطيف لطيف عابر يحمل في طيّاته أياما كنا قد عشناها بشغف الطفولة ورونق الروحانيات التي ما تفيء إلا أن تقلب الصفحات الندية من مشاهد باقة لا تتلاشى.

ولرمضان أجواء مختلفة تمامًا عن الشهور الأخرى؛ ففيه تتجدد قدرة النفس على فعل الخيرات كلَّ ما سنحت فرصة لذلك، وتكون كل الظروف قد تهيأت لأن يشعر طبقة من الناس بالفقراء والمساكين، وأن يتقمّصوا مشاعرهم وحاجتهم للطعام طيلة العام. وفي هذا الشهر الفضيل تتجمع الأسر على موائد الإفطار وتقترب القلوب قبل الأجساد، ويمحو الصوم ما تبقى في النفس من الزعل والخصام الذي لا طائل منه، إذ أنّه لا يُعدُّ إلا ضربًا من ضروب البعد عن تعاليم هذا الدين الإسلامي السمح، وأجر المتسامحين عند الله كبير جدا، وهذا الشهر الفضيل فرصة لأن يبدأ المتخاصمون صفحة جديدة ملؤها المحبة والرأفة خاصة بين الأقارب.

ورمضان هذا العام مختلفا تمامًا عن بقية الأعوام الماضية بسبب ما اعترى العالم أجمع من انتشار جائحة فيروس كورونا، وتطلب الأمر البقاء في المنازل خشية انتشاره الواسع، ولا ريب أنّ ما لوحظ من التزام تام من قبل الجميع في هذه الفترة الحرجة لهو مدعاة للفخر والاعتزاز بكل الأفياء من أبناء المجتمع، وفي المقابل ثمة فخر من نوع آخر لأولئك الأبطال والجنود من الطواقم الطبية، والذين يعملون ليل نهار تاركين أهلهم في هذه الأوقات الصعبة، يكافحون في الصفوف الأمامية في مواجهة الفيروس الخفي فلهم منا كل التقدير الاحترام في هذا الشهر المبارك. وبرغم كل الظروف الحالية إلا أنّ نكهة وطعم رمضان ستظل حاضرة بفعل تواجد الناس الطيبة وتواصلهم افتراضيا عبر منصّات التواصل المختلفة، والتي سدت –نوعا ما- النقص الذي خلفه قلة التواصل بين الناس.

وستظل الذكرى الجميلة لرمضان والمزروعة في ذواتنا حاضرة كل ما هلَّ علينا هذا الضيف العزيز، وستظل أناشيد النقشبندي ومنها (مولاي إني ببابك) ومحمد عبدالله المطلب (رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان.. أهلا رمضان)، وطعم الفطور بعد جوع شديد والرسوم الكرتونية التي تعرض في التاسعة من مساء كل ليلة، والصحون التي تنتشر مع قرب أذان المغرب، والتجمعات والضحكات اللطيفة بعد صلاة التراويح، وطعم أرز السحور مخلوطا باللبن والذي يعطى للصغار كوجبة غداء. كلها ستبقى ذكرى تتجدد في النفوس مع قدوم شهر الخيرات والبركات شهر رمضان الجميل فكل عام والجميع في ألفة ومحبة دائمة.