"فورين بوليسي" تسأل 9 مفكرين عالميين عن توقعاتهم

"كورونا": مسمار آخر في نعش العولمة.. والاقتصاد نحو "الأسوأ"

 

 

◄ ستيجليتز: العالم بحاجة إلى توازن أفضل بين العولمة والاعتماد على الذات

◄ شيلر: العالم يمر بظروف أشبه بالحرب.. والتغيرات ستكون مفاجئة للجميع

◄ جوبيناث: الخطر الحقيقي يتمثل في استغلال السياسيين لمخاوف الأفراد

◄ رينهارت: "كوفيد-19" مسمار آخر في نعش العولمة

◄ بوزين: الظروف الحالية للاقتصاد أصبحت أسوأ بسبب الوباء

◄ تووز: الاقتصاد العادي لن يعود أبداً

◄ تايسون: العديد من الوظائف المفقودة لن تعود أبدًا

◄ محبوباني: عولمة أكثر تتمحور حول الصين لا أمريكا

 

 

ترجمة- رنا عبدالحكيم

 

بعد عدة أسابيع من إجراءات الحظر وقيود الحركة، والخسائر المأساوية في الأرواح، وإغلاق جزء كبير من الاقتصاد العالمي، لا تزال "حالة عدم اليقين" هي الوصف الحقيقي لهذه اللحظة التاريخية الراهنة، والسؤال المطروح بقوة: هل ستتم إعادة فتح الأعمال وستعود الوظائف؟ هل سنسافر مرة أخرى؟ هل سيكون تدفق الأموال من البنوك المركزية والحكومات كافياً لمنع ركود عميق ودائم.. أو حتى ما هو الأسوأ؟

للمساعدة على فهم طبيعة التحول، سألت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية 9 من كبار المفكرين حول العالم، بمن فيهم اثنان من الاقتصاديين الحائزين على جائزة نوبل، لتستقرئ توقعاتهم للنظام الاقتصادي والمالي في مرحلة ما بعد الوباء.

جوزيف إي. ستيجليتز الأكاديمي الأمريكي الشهير يقول إنَّ الدول تتمسك بشدة بما تنتجه من الأقنعة والمعدات الطبية، وتكافح من أجل الحصول على الإمدادات، مشيرا إلى أن أزمة الفيروس التاجي كانت بمثابة "تذكير قوي" بأن الوحدة السياسية والاقتصادية الأساسية لا تزال في نطاق الدولة القومية وليس غير ذلك. ويضيف: "كان يجب أن نتعلم درس المرونة من الأزمة المالية في 2008، ولذا يتعين أن يكون النظام الاقتصادي الذي نقوم ببنائه بعد هذا الوباء وفق رؤية بعيدة المدى وأكثر مرونة وأكثر حساسية لحقيقة أن العولمة الاقتصادية تجاوزت العولمة السياسية بكثير".

فتح نافذة للتغيير

ويرى روبرت جيه. شيلر الاقتصادي الأمريكي البارز والأستاذ في جامعة ييل والباحث في المكتب القومى للأبحاث الاقتصادية بالولايات المتحدة، أن هناك تغييرات أساسية تحدث من وقت لآخر، غالبًا خلال أوقات الحرب، ونحن الآن في ظروف أشبه بالحرب وتبدو التغييرات الأساسية ممكنة فجأة. ويمكن لأولئك الذين يعيشون في البلدان المتقدمة أن يشعروا بمزيد من التعاطف مع أولئك الذين يعانون في البلدان الفقيرة لأنهم يتشاركون تجربة مُماثلة. وأضاف أن هناك أيضًا سبب للأمل في أن يسهم الوباء في التمهيد لإيجاد طرق ومؤسسات جديدة للتعامل مع المعاناة، بما في ذلك اتخاذ تدابير أكثر فعالية لوقف الاتجاه نحو مزيد من عدم المساواة.

وقالت جيتا جوبيناث كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إن الخطر الحقيقي يتمثل في أن الابتعاد عن العولمة سيتضاعف مع استغلال السياسيين لمخاوف فتح الحدود بين البلدان، وسيتيح لهم ذلك إمكانية فرض قيود حمائية على التجارة تحت غطاء "الاكتفاء الذاتي" وتقييد حركة الأشخاص بحجة "الصحة العامة".

وقالت كارمن م. رينهارت الاقتصادية الأمريكية إن دورة العولمة الحديثة واجهت سلسلة من الضربات منذ الأزمة المالية 2008-2009 وأزمة الديون الأوروبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وأوضحت أنه مع صعود الشعبوية في العديد من البلدان، بات العالم يميل أكثر نحو التحيز القومي مشيرة إلى أن جائحة الفيروس التاجي تمثل أول أزمة منذ ثلاثينيات القرن الماضي تجتاح الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء. وقالت: "قد تكون فترات الركود عميقة وطويلة، كما هو الحال في ثلاثينيات القرن الماضي، ولذا من المرجح أن ترتفع دعوات تقييد التجارة وتدفقات رأس المال، إذ دائماً ما تجد تربة خصبة في الأوقات العصيبة. وبينت أنه من المحتمل أن تستمر الشكوك حول سلاسل التوريد العالمية وسلامة السفر الدولي، وأمور أخرى حتى بعد السيطرة على الوباء، مرجحة أن يكون الضرر الذي لحق بالتجارة والتمويل الدوليين واسعًا ودائمًا.

وقال آدم بوزين الاقتصادي الأمريكي إن الوباء سيؤدي إلى تفاقم 4 ظروف موجودة مسبقًا في الاقتصاد العالمي؛ أولها الركود العالمي، وهو مزيج من انخفاض نمو الإنتاجية، ونقص عوائد الاستثمار الخاص، وانكماش وشيك. ثانيًا: ستتسع الفجوة بين الدول الغنية (إلى جانب عدد قليل من الأسواق الناشئة) وبقية العالم في مرونتها تجاه الأزمات. ثالثًا: نتيجة للهروب إلى الأمان والمخاطر الواضحة للاقتصادات النامية، سيظل العالم يعتمد بشكل مفرط على الدولار الأمريكي في التمويل والتجارة. وأخيرًا: ستفضي القومية الاقتصادية بشكل متزايد إلى إجبار الحكومات على إغلاق اقتصاداتها عن بقية العالم.

وقال إسوار براساد أستاذ بجامعة كورنل الأمريكية وزميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن إن البنوك المركزية صعدت من إجراءاتها لمواجهة التحدي من خلال تمزيق قواعدها الخاصة، حيث عزز الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأسواق المالية بشراء الأصول وقدم سيولة بالدولار إلى البنوك المركزية الأخرى. وأضاف أنَّ البنك المركزي الأوروبي أعلن عن دعم "لا محدود" لليورو وأعلن عن مشتريات ضخمة من سندات الحكومة والشركات والأصول الأخرى، كما يمول بنك إنجلترا الإنفاق الحكومي مباشرة. وأشار إلى أن بعض البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، مثل بنك الاحتياطي الهندي، تفكر في اتخاذ إجراءات استثنائية؛ حيث أظهر المصرفيون- الذين كانوا يعتبرون على نطاق واسع حذرين ومحافظين- أنهم قادرون على التصرف برشاقة وجرأة وإبداع. وتابع: "الآن ولفترة طويلة قادمة، ستقف البنوك المركزية راسخة كخط الدفاع الأول والأساسي ضد الأزمات الاقتصادية والمالية".

وقال آدم تووز المؤرخ البريطاني والأستاذ في جامعة كولومبيا ومدير المعهد الأوروبي، إن العديد من البلدان تقف أمام صدمة اقتصادية أكثر عمقًا ووحشية مما كانت عليه في السابق. وفي قطاعات مثل البيع بالتجزئة، التي تتعرض بالفعل لضغوط شديدة من المنافسة عبر الإنترنت، قد يكون الإغلاق المؤقت نهائيًا، ولن يتم إعادة فتح العديد من المتاجر، وستفقد وظائفها بشكل دائم. وتابع أن ملايين العمال وأصحاب الأعمال الصغيرة وأسرهم يواجهون كارثة حقيقية، فكلما طالت مدة الإغلاق، كلما كانت الندوب الاقتصادية أعمق، وتزايد تباطؤ الانتعاش. وأوضح أنه إذا كانت استجابة الشركات والأسر تكمن في تجنب النفور من المخاطرة والفرار إلى بر الأمان، فسيؤدي ذلك إلى تأجيج الركود الاقتصادي، وإذا كانت استجابة الجمهور للديون المتراكمة من الأزمة في صورة إجراءات تقشفية، فإن ذلك سيجعل الأمور أسوأ.

لورا داندريا تايسون الأستاذة بكلية هاس للأعمال في جامعة كاليفورنيا قالت إن هذا الوباء والانتعاش اللاحق سيؤدي إلى تسريع النظام الرقمي والاعتماد على العمل الآلي، وهي الاتجاهات التي أدت إلى تآكل وظائف المهارات المتوسطة مع زيادة الوظائف ذات المهارات العالية خلال العقدين الماضيين، وساهمت في ركود الأجور المتوسطة وزيادة تفاوت الدخل. وأوضحت أن العديد من الوظائف ذات الأجور المنخفضة، والمهارات المنخفضة، والخدمة الشخصية، خاصة تلك التي تقدمها الشركات الصغيرة، لن تعود مع التعافي الكامل في نهاية المطاف. ومع ذلك، أشارت إلى أن الطلب سيزداد على العمال الذين يقدمون الخدمات الأساسية مثل الشرطة، وإطفاء الحرائق، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية، والنقل العام، والطعام، مما يخلق فرص عمل جديدة ويزيد الضغط على زيادة الأجور وتحسين الفوائد في هذه القطاعات ذات الأجور المنخفضة عادة.

وقال كيشور محبوباني البروفيسور السنغافوري وعميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية، إن جائحة كوفيد-19 سوف تسرع من التغيير الذي بدأ بالفعل، والمتمثل في الانتقال من العولمة التي تركز على الولايات المتحدة إلى عولمة أكثر تركيزًا على الصين. وأضاف أن الصينيين يعتقدون الآن أنهم قادرون على المنافسة في أي مكان. وبين أنَّ أمام الولايات المتحدة خياران؛ إذا كان هدفها الأساسي هو الحفاظ على التفوق العالمي، فسيتعين عليها الانخراط في منافسة جيوسياسية صفرية محصلتها صفر سياسيًا واقتصاديًا مع الصين. لكنه يرى أيضاً إذا كان هدف الولايات المتحدة تحسين رفاهية الشعب الأمريكي- الذي تدهورت حالته الاجتماعية- فعليها أن تتعاون مع الصين.

تعليق عبر الفيس بوك