نحتاج لتبني "فكر" إدارة الأزمات

خلفان الطوقي

 

 

في بداية أزمة كورونا، تكوّنت لجنة عليا للتعامل مع هذه الجائحة، وهم في حال انعقاد مستمر، وأثبتت قدرتها على التعامل مع هذه الأزمة بكل حرفية ومهنية، وتميّزت بسرعة الرد والتعاطي مع كثير من المواضيع الصحية واللوجستيات والشأن الاقتصادي والاجتماعي والأمني قدر الإمكان، وتظهر إعلاميا بشكل أسبوعي،  واستطاعت ربط جميع الوحدات الحكومية وتنسيق أعمالها وتوحيد هدفها لتتكامل الجهود لأجل غاية واحدة، وهي التصدي لهذا الفيروس الفتاك في أسرع وقت ممكن وبكافة الطاقات المتوفرة، مع محاولة ضمان قلة الخسائر البشرية والمالية.

منذ ما يقرب من ٤٥ يوما إلى اليوم وبعد تكوين اللجنة العليا للتعامل مع الفيروس العدو الخفي، ظهرت عشرات المبادرات الحكومية كالاستيراد المباشر والبيع والشراء من خلال منصات إلكترونية والتعليم وممارسة العمل وتنفيذه عن بعد وغيرها من المبادرات وأساليب العمل التي أثبت نجاحها، علنا بأنّ هناك من نادى وكتب عنها من العشرات من الغيورين قبل كورونا، وتقدم بها الكثير من أصحاب الأعمال مجانا أو بقيمة رمزية، أين كان حينها المسؤول الحكومي؟ أو أنه لا يمكن أن يعمل إلا وسط ضغوط معينة وتحت المجهر لكي يعمل بكامل طاقته وطاقات من معه؟ فما تمّ إنجازه في ٤٥ يوما قد يعادل ما يتم إنجازه خلال سنين في الأيام العادية، فأثناء الوضع العادي يتم العمل بأسلوب البطء الشديد (slow motion  mode)، وهذا ما لا يتناسب مع متغيرات وتحديات العصر، بغض النظر عن وجود فيروس كورونا من عدمه.

 

السؤال الأهم: هل ستعود الحكومة للأسلوب التقليدي التي يتسم بالبطء؟ أو أنّ الحكومة يمكن لها أن تتبنى هذا النهج الذي يتسم بالسرعة في الاستجابة، وتبني المبادرات العصرية، والعمل بأساليب تكنولوجية تضيف قيمة مضافة بأضعاف مضاعفة للمجتمع وبيئة الأعمال، وتفكر وتنفذ وتقيم خارج الصندوق، وتتبنى كل ما من شأنه أن ينفع المصلحة العامة ورفعة اسم عمان عاليا، واستخراج أفضل ما في الطاقات البشرية من إمكانيات، والاستفادة من كل جهة حكومية عامة أو خاصة بأفضل ما لديها من إنجازات حقيقية وليست إعلامية فقط، لتستطيع هذه الانجازات خدمة الرؤية الوطنية لعمان (2040) وما بعده.

أثبتت الأيام القليلة الماضية أنّ الأساليب الحديثة للإدارة يمكن لها أن تقفز بعمان مراتب كثيرة شريطة أن تتبنى أسلوبا مختلفا في الإدارة، فالأسلوب الإداري التقليدي لم يعد صالحا لهذا العصر، ولابد من استبداله بتطبيق الحوكمة في كل ما تقوم به، وتبني فكر إدارة الأزمات، المختلف تماما عن الأسلوب التقليدي السابق،  ففكر إدارة الأزمات يختلف في سرعة التعاطي مع المواضيع، وتكامل وتنسيق الجهود، والمحاسبة، والتقيم المستمر المبني على الإنجازات في أرض الميدان، والمرونة في التعامل مع المواضيع، وتبني الأفكار الخلاقة التي تسهم في حل المشكلة، وتبني أساليب عمل عصرية مبتكرة ضامنة للعميل السرعة في الإنجاز والجودة في الخدمة المقدمة والشفافية المطلقة في التعاطي مع الأفراد والإعلام وخصائص أخرى كثيرة.

أزمة كورونا الصحية قد تنتهي بعد شهر أو شهرين أو أكثر بقليل، لكن هذه الكورونا لا محالة ستخلف كورونا اقتصادية واجتماعية وقانونية وأمنية، وربما ستكون تبعاتها أكثر ألما من كورونا الصحية، وفرق الأزمات (Task Forces) المتخصصة هي من سوف تستطيع تقليل هذه التبعات إذا تبنّت فكرا استشرافيا يستطيع أن يقرأ المستقبل القريب والمتوسط والتجهيز لسيناريوهاته المختلفة والتعاطي معه بفكر عصري يملك حلولا استباقية، فكل ما تحتاجه الأزمة الحالية والأزمات القادمة أن نتعامل مع المواضيع المستقبلية وتحدياتها ومعطياتها المتجددة بتبني أسلوب للإدارة وهو الإدارة  بفكر إدارة الأزمات وبشكل دائم، وليس مع الأزمات فقط، وهذا ما أثبت نجاحه.