الوضع الاقتصادي للجائحة وتأثيرها على السلطنة

ناجي بن جمعة البلوشي

لاننا لسنا من متخذي القرارات الوطنية العليا، ولأنه شأن قيادي صرف لا يمكننا أن نتكلم عنه بموجب ما عاهدنا به قيادتنا الحكيمة، لكننا في الوقت ذاته أبناء الوطن وجنوده، وربما نكون سرا من أسرار نهضته التنموية؛ لهذا فإن أفكارنا قد تكون صوابا بعين الصواب، أو خطأ يقترب من الصواب، أو أنها خطأ بعيدًا عن الصواب، وفي كل الأحوال هي أفكار دالة على أنها صواب؛ فالشعب المفكر خير من الشعب الذي لا يفكر، خاصة إذا كان هذا التفكير خالصا لوجه الوطن الغالي.

فعِندما تجتمع آراء كل مفكري العالم الاقتصادي في العالم على أن العالم قبل كورونا لن يكون هو العالم الذي بعده، هذه التوقعات جاءت على أثر ما يقاس له من أزمات مستقبلية كائنة إن لم تكن بدأت فعلا في أقطار عالمية. وهذه الأزمات في حقيقتها لا تكون كما يتوقعها رجال الأموال والمال فهي تختلف باختلاف الاقتصاد ذاته أو البلد المعتمد عن نوع الاقتصاد، وهذا ما يجعل منا مفكرين في حلول لمثل هذه المستجدات الجديدة على الإنسان.

فالذي يشهده العالم اليوم هو عنصر جديد من عناصر الشلل الاقتصادي، والذي لم تتعود عليه الإنسانية من قبل، هذا لأنها تعودت على الأزمات من بعد المشاكل التي تسببها التشريعات والقوانين الإنسانية، وعلى الرغم من أن الماليين يعقتدون أنَّ ضخ الأموال سيكون له الأثر الإيجابي في النهوض بالاقتصاد العالمي، فإننا نجده ممكنًا -لكنه غير قاطع- ونراه أمرًا مبالغًا فيه إن سار فقط على هذا النحو من الاعتقاد، وربما إن تم أخذه كمحور من محاور التجربة السابقة، فإنه سيصل بالاقتصاد إلى شيء من اللامعلوم، خاصة في دول شأنها الاقتصادي ضعيف: مما يعني أن الوقوع فيه سير الكل في الخطأ نفسه؛ فهو ليس كما شهده العالم من قبل من تجربه.

وإذا كان كذلك المقصد من اتخاذهم تدابير ضخ الأموال وحدها في الأسواق؛ فهذا محور بعيد عن الواقع الذي يحتم على الجميع التفكير في الحلول الجديدة، لا الحلول التي كانت من قبل؛ لما يتضح للجميع مما هو موجود أصلا في الواقع، فالذي حدث في العام 2008 بعيد عمَّا يحدث اليوم من وضع، والفرق بينها واضح لمن أراد أن يستوضح الفرق؛ فذاك معني بمشاكل مالية وعجز مالي وإفلاس بنوك ودين ودائنين ومدينين، والأسباب المؤدية إليه كانت رهنا عقاريا وضمانات بنكية وتسهيلات مكشوفة وغيرها من الأمور المتعلقة بالمال ودفعه واسترداده، أما اليوم فالحال مختلف، ومختلف لأنه هنا يمس حال الاقتصاد ذاته لا الأموال التي تدفع فيه أو تسترد منه، واذا أردنا أن نفصل بعضا مما نعتقده فإننا سنعطي أمثلة ليتضح ما نعنيه، فالاقتصاد المالي مثلا من أثر تداعيات أزمة كورونا سيكون مشلولا لأن الودائع والحوالات والضمانات البنكية والقروض والرهن العقاري وغيرها مما هي من صلب أعماله ستكون متوقفة إذا استمرت الأزمة طويلا، وهذا بسبب تقليص الإنفاقات الحكومية والحركة التجارية وتوقف الصادرات وضعف الواردات وتقليل الإنفاق الشخصي...إلخ، مما قد يتسبَّب في تقليص الأعمال لموظفي البنوك والشركات العاملة في هذا الاقتصاد (القطاع) لتقتصر على السحوبات المالية والإيداعات البنكية، وهذا عمل الصرافين بالعادة؛ مما يعني أن البنوك ستدفع اكثر مما يجب عليها دفعه لموظفيها، لتسير بعد ذلك إلى تقليص الموظفين إلى عدد ما تحتاجه لأعمالها قبل أن تخسر وتسير في طريق مجهول.

الاقتصاد الصناعي له همُومه ومشاكله؛ فهناك مصانع كانت تنتج كل شيء لتبيعه، واليوم هي لا تعلم أين ستبيع هذا الإنتاج من تلك السلع والمنتجات، وهذا لأنَّ كل الدول باتت مقفلة على أنفسها الحدود، وإن لم تفعل فالناس اتخذوا قرارًا في الاستفادة بأموالهم فيما هو نافع، أو أن رواتبهم قد قلصت أصلا، كما أن بعضهم قد أُنهِيت خدماته، وهذه الحال يعمل بها إذا كانت المصانع تعمل أصلا، فكيف بها إن كانت قد أقفلت أبوابها وقلصت إنتاجها، وسارت إلى الاغلاق وعدم التصنيع؛ مما يعني التسريح وإنهاء الخدمات حتى إشعار آخر.

الاقتصاد الزراعي كذلك معه ما معه من مشاكل عندما توقفت كل أعمال الإنتاج الزراعي فيه، وهنا نعني بالمزارع التي كانت تحصد كل شيء غير الذي يُؤكل كطعام أساسي مطلوب في كل وقت، كالذي يستخدم في الإضافات الصناعية والأكسسوارات الشخصية؛ فهي كانت تنتج الورود وأشجار الزينة والفانيلا والمطاط...إلخ، إلا أنَّها اليوم لا تجد من يستقبل ذلك الإنتاج منها ولا يشتريه، وهذا يعني أنها ستسرح المزارعين إن كانوا يعملون في شركات، وتجعل من عائق لدى حكوماتهم إن كانوا مزارعين أفرادا.

الاقتصاد السياحي وخدمات الإيواء وما فيه من فنادق ومطاعم ومنتجعات ومدن سياحية وملاهٍ وحدائق ترفيهية وألعاب أطفال...إلخ، هو أيضا لم تكن بعيدة عن هذه المشاكل، وتأثر القطاع بهذه الأزمة؛ فأصبحت كل هذه المنشآت متوقفة عن العمل، وتوقف معها المردود المالي الذي يشغل حيزًا من العوائد المالية للدخل القومي لبعض الدول، كما كانت هذه المنشآت تشتمل على الكثير من العاملين فيها، وهو ما يعني تفاقم الأحوال سوءًا على سوء، وسيُؤثر على توازنها في نفقاتها على القطاعات الحكومية والخدمات.

اقتصاد النقل واللوجستيات، وهو الاقتصاد الأكثر تأثرا من آثار هذه الأزمة الحالية، هذا الاقتصاد الداخل فيه الكثير من الشركات الحكومية، أو التي تدعمها الحكومات، وهذا الدعم الذي أصبح اليوم دون أي عائد مالي مقابل، وهو بطبيعة الحال سيؤثر على الحكومات ذاتها من أثر هذا الدعم اللامحدود.

هذه الأمثلة التي قدَّمتها هي أمثلة على الاقتصادات المتنوعة التي ستتأثر من آثار هذه الأزمة، وهي ما تُسمَّى عادة بالقطاعات أيضًا.

كما أن التعافي من هذه الأزمة لا يكون فقط مع انتهاء انتشار المرض أو وجود العلاج واللقاح له؛ فهذا حال صحي سيكون فيه الكثير من الاختبارات المجهرية والتجارب السريرية الدولية بين كل القطاعات الصحية العالمية، وبإذن الله سيتم الحصول على العلاج، لكنَّ التعافي في الاقتصادات هو أكبر المشاكل التي ستعاني منها الدول كافة، وهذا لما تقدره كل دولة على ما أصابها من أثار الازمة، فما يصيب دولة فقيرة ذات شح الموارد لا يُشابه ما يصيب دولة ذات اقتصاد متنوع وشامل وسريع النمو لما بها من عدد سكان ومستهلكين، كما أن الدول الأكثر دعما للشركات الحكومية أكثر تأثرا من الحكومات الأقل دعما لها، والدول مكتملة البنية الأساسية خيرٌ من الدول التي لا توجد بها بنية أساسية، والدول ذات إنتاج المعادن خير من الدول ذات الإنتاج الزراعي، والدول ذات الإنتاج ذي القيمة المضافة خير من الدول المصدرة للخام، وبمثل هذه التقديرات وغيرها تسير الدول في تقديراتها ونهوضها بعد الأزمة الكورونية. إضافة إلى هذه التقديرات هناك تقديرات أخرى تؤخَذ بعين الاعتبار كالدين الداخلي والخارجي والتصنيف الائتماني ومستوجبات التسديد على القروض التي بها كل دولة ووضعها المالي الذي هي عليه...إلخ، وهناك عوامل أخرى مرتبطة بالإنفاق المالي والسيولة النقدية والاحتياط من المخزون المالي من العملات الصعبة، وهناك ظُروف تشمل كلَّ هذه التقديرات؛ منها: الوضع الأمني والوضع السياسي... وغيرها؛ مما يدخل في سياق التقديرات.

ولأنَّ الأزمة ذاتها لا تؤثر على اقتصاد الدول ذاتها إذا ما روعيت كل هذه الأسباب والمسببات، واتخذت فيها كل أنواع الاحترازات، قبل أن تصل إليها المشكلة التي تسببها الأزمة ففي جمهورية الصين مثلًا عادت الحياة الطبيعية كما هي الحال عليه بطبيعة قوة الاقتصادات الصينية لا بالعلاج والحصول على المصل لذلك الفيروس؛ فها هي تزرع وتصنع وتنتج وتصدر بكل قوة إنتاجها المعتاد إن لم يكن أكثر مما كان عليه؛ وذلك لعدم وجود المنافسة من قبل الدول الأخرى، ومثل هذا الأمل نريده أن يكون في سلطتنا الحبيبة لهذا نحن نضع اقتراحاتنا لتقوم جهات الاختصاص بدورها باتخاذ ما هو مناسب في شأنها.

وهنا.. نقترح وجود لجنة عُليا لمراجعة الوضع الاقتصادي للسلطنة قبل جائحة كورونا، وبعدها، لنصل ببلدنا إلى آفاق المستقبل كما خطط له وبأقل الخسائر، وهذا سيكون فعالا إذا ما تقصينا كل أنواع الاحتراز وتوخي الآثار المسببة للمشكلة الاقتصادية الحتمية التي ستصل بظلالها إلى كل دول العالم كما أسلفت ذكرا.

فمُعالجة كل اقتصاد بمفرده قبل أن يتأثر غيره أفضل لنا من معالجة كل الاقتصادات دفعة واحدة، كما أن تركيزنا على اقتصاد واحد دون مراعاة باقي الاقتصادات يعني أننا سنقوم بمساعدة اقتصاد واحد وليس له من يساعده على هذا النهوض.

وحيثُ إننا قُمنا بدعم القطاع المالي بحزمة إجراءات تحفيزية، فإن هذا مؤشر يساعد باقي القطاعات على النهوض تباعا بما يُقدم لها من تحفيزات وإجراءات؛ فالقطاع الصناعي مثلا يحتاج اليوم إلى فحص الأفراد العاملين لدى كل منشأة بمفردها وحجرها داخل المصنع، لتأكدنا من خلوها من الأمراض، وهذا المصنع بدوره سيقوم بالإنتاج للبيع المحلي والتصدير، كما أن البيع المحلي يحتاج إلى أن نفتح مناطق فيها منافذ بيع اعتيادية مع غلق مناطق أخرى بها تخوف من انتشار الجائحة، وفي النقل واللوجستيات والتصدير يستوجب علينا الاحتياط من الناقلات والشاحانات الناقلة للمنتجات دون تأثير قطاع النقل ذاته؛ فنوجد لها حلًّا مناسبًا لمنطقة شحن وتفريغ أو ميناء بري مؤقت تنقل بموجبه شاحنات المناطق الصناعية إليه ومنه تنقل الشاحنات الناقلة من وإلى الموانئ أو الدول الأخرى.

كما من بين الخيارات للاقتصاد اللوجستي -على ما ذكر أعلاه- نضيف مثلا شركات نقل الركاب، فإن تشغيل الخطوط فيما ينتفع به الناس من توصيل للركاب، ومثالنا في المركبات الناقلة للأفراد في توصيل طلبات الزبائن كالطلبات الخارجية من مراكز التسوق وإليها بعد التنسيق مع المنصات العاملة في مجال التسوق الإلكتروني أو شركات توصيل الطرود والمأكولات.. مثال: "تسوق من بيتك"، أو منصة "إثمار"، أو "طلبات".

وهكذا.. سنجد الكثير من الحلول في تنشيط باقي الاقتصادات التي لا نريد منها أن تغلق كل شيء عليها لتبقى مشلولة ومتوقفة. وفي كل هذه الحلول نحتاج السرعة في التنفيذ؛ فكل يوم يمر علينا يعني أننا ندفع دون أي مقابل. أما فيما يخص الجائحة، فإن ما قامت به الصين من احترازات بعد استئناف العمل وتدوير عجلة الإنتاج لهو خِبرة تستحق الاستفادة منها.

وفي كلِّ الأحوال، فإن الاقتراح بتشكيل لجنة عُليا تختص بالشأن الاقتصادي، إنما هو اقتراح سيوجد خلية إنسانية مفكرة جديدة تعمل على وضع السلطنة بعيدا مما هو آت، فكما قدمت اللجنة العليا المكلفة بشأن اتخاذ الإجراءات الاحترازية المناسبة من تفشي جائحة كورونا حلولا ناجحة إلى حد كبير يشار إليها ويمتدح بها في كل أنحاء العالم، فإننا على يقين تام بأن اللجنة المختصة بالشأن الاقتصادي ستكون بذات الجدوى والمنفعة الوطنية، أما اقتراحنا لها في هذا الوقت، فإننا نعول هذا على ما يحدث من جائحة وشلل اقتصادي في آن واحد دون انتظار، لتبدأ أزمة بعد أزمة.

وهنا.. نرى أنَّ الحل يكون مع الحل كما هي الأزمة مع الأزمة، ليندمجا مع بعضهما في حل الأزمتين، نسأل الله تعالى أن يرفعهما عنا جميعا.