أهمية الخطاب الإيجابي

حاتم الطائي

ينشأ كلُّ عُماني على قِيَم وتقاليد أصيلة؛ فمهما كان مُستوى التعليم أو الغِنى أو الفقر، إلا أنَّنا -ولله الحمد- نتميَّز بالحفاظ على قيمنا وَمبادئنا في كلِّ الظروف والمحن، في السرَّاء والضرَّاء، ومع كل تحدٍّ يُواجهنا تتكشف معادننا الذهبية، وتتجلَّى قيمنا بوضوح، في تماسُكنا وتعاضُدنا وتكاتُفنا وتكافُلنا لبعضِنَا البعض، وما أكثر هذه النماذج أو الأمثلة التي تُبرهِن صحة الطرح، وليس ببعيد عنَّا تلاحُم العُمانيين في مواجهة الأنواء المناخية مثل "إعصار جونو".

ومع وصول فيروس كورونا المستجد إلى بلادنا، أعلنتْ الجهات المعنية -وبمتابعة سلطانية سامية- استعداداتها المبكرة لمحاربة هذا الوباء، واتَّخذت ما يلزم من إجراءات وقائية واحترازية أشادتْ بها ليس فقط منظمة الصحة العالمية، بل أيضا التقارير العالمية، وآخرها تقرير المجلس الأطلسي، وهو أحد مراكز الدراسات والبحوث المرمُوقة حول العالم، وهذه الإشادات لم تأتِ من فراغ، بل عكست طبيعة التقدير العالمي لما يتم تنفيذه من إجراءات؛ سواء تلك المتعلقة بكبح جماح هذا الفيروس، أو غيرها من الإجراءات الرامية لزيادة الوعي العام بمخاطره.

وفي خِضم هذه الأحداث، وبعد إنشاء صناديق وفتح حسابات مصرفية لدعم جهود مؤسسات الدولة في مجابهة الفيروس واحتواء تأثيراته السلبية، تَسَارع الكثيرون في الخيرات؛ فتبرَّعوا بمبالغ -صَغُرت أو كَبُرت- لصالح هذه الجهود؛ استشعارًا منهم للحس الوطني والواجب الاجتماعي، وقد عكس ذلك شعورًا متعاظمًا بالمسؤولية لدى قطاعات مجتمعية عريضة؛ سواء بين الأشخاص العاديين، أو بين شركات ومؤسسات القطاع الخاص، والتي أعلنَ عددٌ منها عن تبرُّعات سخية. لكنَّ البعض -وبسبب فوضى وسائل التواصل الاجتماعي- أشهرُوا سيوف النقد الهدَّام، ورشقوا بكلمات سلبية ومُحبِطة بعضًا من رجال الأعمال والشركات في بلادنا؛ بحُجَّة أنهم لم يتبرعوا، أو أنَّهم استفادوا من خيرات الوطن و"لم يردوا الجميل"!!

من المُؤسف أن نجد بيننا أصواتًا مثل هذه، ودعوات ظاهِرُها الرَّحمة ومن قِبَلِها العذاب؛ فالظاهر لأي مُتابع أنَّه ستثور ثائرته، وسيحتج على "بُخل" البعض، و"رفضهم" التبرع لصالح الدولة، لكن التأثير الحقيقي الذي سيصيبُ المجتمع هو أنَّ موجة من الهجوم والتشهير ستطال كلَّ من يُطرح اسمه أو اسم شركته في تلك الادعاءات، وكأنَّ ذلك أو هؤلاء الذين يرصُدون من تبرَّع ومن بخل بالتبرُّع، يملكون الحقيقة المطلقة، أو أنهم أمناء على الصناديق والحسابات المصرفية التي دُشنت لهدف نبيل؛ فإذا بهم يهدمُون هذا الهدف النبيل؛ إذ إنَّ الأمرَ قد يتحول إلى دعاية زائفة، فيقول أحدهم إنَّه تبرع بألف ريال، وفي حقيقة الأمر لم يتبرع.

هنا.. علينا أن نقفَ بقوَّة في وجه هؤلاء الذين يسعون إلى تحويل الوضع إلى مُزايدات سوقية رخصية لا تليق بنا ولا بأخلاقنا، وإنما -مع الأسف الشديد- تعكسُ الفوضَى التي تضرب وسائل التواصل الاجتماعي، وفتحت المجال أمام أي شخص للحديث فيما لا يعنيه، والتعليق على ما لا ليس له به علم، بل والأهم من ذلك أنَّه يملك صكَّ الوطنية، فيمنح من يَشاء وصف "وطني" وينزعه عمَّن يشاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

ختامًا.. أقول إنَّ حملات التشهير بشخصيات مُعينة أو شركات مُحددة، لن تُسهم في تجاوز المحنة، بل ستُغرقنا في توافِهِ الأمور، وستصرفنا عن التحدي الأساسي؛ لذا أوجهها دعوة صادقة إلى الجميع، أن يتبنوا خطابًا إيجابيًّا، لاسيما أوقات الأزمات، فما أحوجنا إلى أن نقول الآن: "أحسنت.. بارك الله فيك"، وأن نتوقف عن النيل من الآخرين. علينا أنْ نشيع مفهوم الإحسان فيما بيننا، فهو أمرٌ ربانيٌّ: "وأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ"، وهو عَيْن التكافل الاجتماعي والتعاضُد المجتمعي.. حَفِظ الله عُمان من كلِّ مكرُوه وسُوء.