كورونا و"أخواتها" والرأي العام الجديد

 

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

حضر "كورونا"، فتأجَّلت قضايا الوطن كلها تقريبا، لم يعد أحد يتحدث عن قضية الباحثين عن عمل، ولا أحد يتحدث عن قضايا الموظفين المهضومة، ولم يعد أحد يكتب عن تضخم ثروات بعض الأفراد وشركاتهم، ولم يعد أحد يتناول قضايا الشركات الحكومية المترهلة، غابت كل هذه القضايا وغيرها عن وسائل الإعلام، وبرزت وحدها قضية كورونا، و"أخواتها"، وما حولها.

أصبح العالم كله يتحدَّث بلغة واحدة، هي لغة كورونا، ومكافحة الوباء، والتحكم فيه، وكيفية معالجته، والبحث عن لقاح للحد من سرعة انتشاره، ومناشدات الحكومات لشعوبها بضرورة العزل المنزلي، والتباعد الاجتماعي، وسارع كثير من المشاهير والأثرياء للوقوف مع بلدانهم في هذه الكارثة الإنسانية، وتبرعوا بملايين الدولارات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح مواطنيهم، كما فعلت (بعض) الشركات والأثرياء لدينا في السلطنة، بينما وقف آخرون يتفرجون وكأن الأمر لا يعنيهم!

كلُّ القضايا أصبحت مؤجلة، أو أنها أصبحت خارج المشهد مؤقتا، وطلّت قضايا أخرى للواجهة متعلّق معظمها بنتائج الوباء، وأصبح الرأي العام يتحدث عن مسائل مستجدة، كمثل: قضية العمال الذين سرّحتهم الشركات مستغلة هذا الظرف الاستثنائي، أو تلك التي قلّصت رواتب موظفيها بحجة تأثير الجائحة رغم أن أرباحها بالملايين، أو قضية التجار الذين بدأوا في الالتفاف على القوانين وتكديس السلع لاحتكارها في ما بعد، أو قضايا العزل (المناطقي)، إضافة إلى قضايا المعقمات غير المطابقة للمواصفات، ومسألة السباق المحموم والمضاربات على الدواء والأدوات الصحية بين الدول، وغير ذلك من قضايا تتعلق بهذا الحدث.

وظهرت في الأفق قضايا أخرى لم تكن لتظهر لولا هذه الجائحة، مثل: المتاجرون بالعلاج، و"المبشّرون" بقرب تصنيع اللقاح، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تضج بعلاجات شعبية تصلح للطبخ أكثر من صلاحيتها للعلاج، وخرج مروّجو الشائعات وتضخيم الأحداث ليبثوا سمومهم، بينما قام بعض التجار بالمزايدة على الوطنية؛ حيث تبرّع بعضهم بمبانٍ سكنية مهجورة وغير قابلة للاستئجار، وأرادوا إظهار دور البطولة فتبرعوا بها للحكومة، مع التقدير للبعض الآخر، كما ظهرت قضايا المستهترين بالحجر المنزلي والمؤسسي، وأولئك الذين يخالفون القرارات الرسمية، إضافة إلى قضية الخسائر المالية التي يتكبّدها صغار التجار، ويدفع ثمنها العمال البسطاء، وغير ذلك من قضايا مستجدة.

وفي الوقت الذي تفاءل فيه المواطنون بتأجيل أقساط البنوك وشركات تمويل السيارات، خرجت شركات كبرى بقرارات فصل، أو خصم رواتب من موظفيها مستغلّة الوضع القائم، ولولا تدخّل الجهات الحكومية بحزم وفي الوقت المناسب لنفّذت تلك الشركات خطتها الرامية لزيادة إيراداتها، وتقليل مصروفاتها حتى لو كان ذلك على حساب الموظف البسيط، وأذكر في هذا السياق أن إحدى الشركات المحلية الكبرى -ذات الأرباح المليونية- قامت بمحاولة للالتفاف على موظفيها، واستغلال الوقت لكسب أكبر قدر من الأرباح في هذه الأزمة، حيث قامت أفرع هذه الشركة التي أتحدث عنها بإرسال رسائل متتالية بصيغة (لطيفة) لزبائنها تقول: "من أجل دعم التدابير الحكومية لحماية صحة المجتمع، نطلب منك الاحتفاظ بمبلغ القسط في حسابك المصرفي، وسيتم إيداع شيك القسط في تاريخ الاستحقاق"!! بمعنى آخر أكثر مباشرة أنه "لا تأجيل للأقساط"، بينما كانت تقوم في نفس الوقت بتخفيض رواتب موظفيها!

هذه الجائحة رغم مساوئها الكثيرة، إلا أنها ستعيد ترتيب أوراق العالم، وستعيد النظر في كثير من الأمور، وستكون في أحيان كثيرة شمّاعة لتمرير عدد من القرارات بحجة الوضع الاقتصادي، كما أنها ستُظهر الوجه القبيح للشركات الكبرى التي تعيش على مص دماء الناس، كما أنه ستبرز وجوه كثير من المسؤولين والأثرياء على حقيقتها، وسيبدو العالم مختلفا كليّا عمّا كان قبل "كورونا".. والأيام كفيلة بشرح وجهة النظر هذه.