حميد بن مسلم السعيدي
إحدى الإشكاليات التي تُواجه المؤسسات الحكومية في اتِّخاذ القرارات التي تمس الصالح العام، هي غياب الوعي لدى فئة كبيرة من المجتمع، وسيادة النمطية النرجسية في الرأي، ومحاولة تقديم رؤى تصطدم مع الواقع المعاش، دون القراءة النقدية والفكرية للإشكاليات التي تُواجه الدولة في المرحلة الراهنة، أو أحياناً التخلي عن المسؤولية وإلقاؤها على الآخرين في محاولة الفوز بحب الذات؛ الأمر الذي قد يؤدِّي إلى فقدان الثقة في القرار الحكومي نظير توجهات فكرية يقودها أفراد دون امتلاك الوعي المعرفي بما يحدث على المستوى العالمي، هذه الحتمية الفكرية تؤثر على القرار الذي يتخذه الفرد في التعامل مع الجائحة المرضية التي تنتشر في كل دول العالم، في ظلِّ غِياب المسؤولية والإرادة على ضبط الذات، مُعتقدين أو واهمين أنفسهم أنَّهم في منأى من الإصابة، دون إدراك أو وعي لمستوى الإشكاليات الصحية التي قد يتعرض لها الفرد، أو ما ينقله للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه.
وهذا الأمر يقُودنا إلى التفكير في نمطية العيش داخل المجتمع، ومدى مقدِرته على الاستجابة مع مُقتضيات الحياة المعاصرة؛ سواء من حيث التطور الذي يشهده، أو الإشكاليات التي تحدث بين الحين والآخر، ويتأثر بها معظم دول العالم؛ فالتعايش مع كل ذلك يتطلب ليس مستوى علميًّا وفكريًّا مُحددًا؛ فالكل يمتلك المعرفة، لكنه لا يمتلك القرار الواعي لما يحدث، فلا يزال يمارس العفوية دون القدرة على الضبط الذاتي والاستماع إلى التوجيهات والقرارات التي تصدرها المؤسسات الحكومية بهدف الحد من انتشار المرض، وكأننا نعيش مرحلة الانتقاء لمن يصاب به، في حين أنَّ الواقع عكس ذلك تماماً؛ فالدول التي شهدت ارتفاعًا سريعًا في أعداد الإصابات هو نتيجة عدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي، والبعض طبَّق نظرية مناعة القطيع؛ مما أدى لخروج المرض عن السيطرة على مستوى الدول، وأصبحت هذه الدول على مقربة من السقوط في ظل إصابة أعداد كبيرة من المسؤولين وأصحاب القرار على مستوى السلطة السياسية.
فالجائحة المرضية كورونا (كوفيد 19) التي أصابتْ مُعظم دول العالم وتسبب في إصابة أكثر من نصف مليون إنسان خلال فترة وجيزة؛ مما نتج عنه حدوث وفيات بأعداد كبيرة؛ حيث لم تتمكَّن أكثر الدول تقدماً أن تقدم الرعاية الصحية التي تتلاءم مع المرض، بل إنَّ بعضها عجز عن توفير الرعاية الصحية للمرضى وتركتهم يواجهون المرض دون أي تدخل طبي نظراً للأعداد الكبيرة التي تجاوزت القدرة الاستيعابية للخدمات الصحية، بل رحل الكثيرون دون أن يشعر أحد بألمهم، والكثير مات دون أن يحصل على مراسم الوداع الأخيرة، بل إنَّ عمليات الدفن تمت في ظروف استثنائية لم يشهدها العالم منذ عدة عقود إلا فترات الحروب والأزمات العسكرية؛ مما أدى لتفاقم حجم المشكلة وخروجها عن السيطرة، في شعور أدى للتقدم الذي وصلت إليه البشرية لم يُمكنها من حماية نفسها من فيروس صغير جدًّا؛ مما يجعلنا نُعِيد التفكير في نشأة الإنسان وبقائه على سطح الأرض، في الوقت الذي أصبح فيه العالم يواجه المصير المشترك؛ الأمر الذي يُشعرنا بأننا جزء من هذا العالم الكبير، الذي ينبغي معه أن نغير العديد من الاتجاهات والأفكار تجاه نظرتنا للحياة، وما يحدث حولنا من أحداث، وتجعلنا نغيِّر حتى المفاهيم والمصطلحات التي كنا ننادي بها، في مرحلة قد تشهد تغيرات كبيرة في كافة القطاعات والأنشطة البشرية، بل رُبما قد تغير من خريطة العالم، فقط أمام كورونا الصغير.
كلُّ هذه التغيرات التي نشهدها على مستوى العالم، نُدرك حقاً أنَّ هذه الحضارة البشرية التي وصفت بأنها أرقى ما توصَّل إليه الإنسان في كافة العلوم والأنشطة التي يمارسها، إلا أنه عجز عن أن يقف أو يصمد أمام فيروس صغير جدًّا لا يُرى إلا بالمجاهر الطبية المتخصصة وبعد تكبيره لملايين المرات؛ مما يقودنا نحو التفكير في ذواتنا، وربما يجبرنا على التغيير نحو الأفضل في العديد من العادات والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية؛ في ظلِّ تغيير سريع وجذري في الحياة، وربما بصورة أكثر عُمقا مما سبق، ولكن الأمر الذي يقودنا نحو إدراك ما يحدث أنَّ النجاة من هذه الفيروس في الابتعاد عن الوسط الاجتماعي، والعيش ضمن الحيز الصغير في إطار علاقات اجتماعية ضيقة لا تتجاوز الأسرة الصغيرة، مع ممارسة العديد من المحاذير عند المحاولة للبحث عن المواد الغذائية أو الاحتياجات الضرورية للإنسان حتى يستمر في ممارسة حياته.
والمواطن العُماني لا ينبغي أن يكون مُغيَّباً عن كل ما يحدث في هذا العالم، بل هو جزء منه، ويتعايش مع كافة الظروف ويتأثر بها بصورة مباشرة؛ لذا فنحن نعاني من ارتفاع تدريجي في عدد الإصابات رغم كل الجهود الذي بذلتها الحكومة محاولة منها لتقليل عدد الإصابات، إلا أنَّ العدد يتزايد نظراً لغياب الوعي والمسؤولية الوطنية لدى بعض المواطن، وعدم الشعور بخطورة الأمر وأثره على الأسر وعلى المجتمعات في حالة إصابة أحدهم لا قدر الله؛ فهذا المرض ينتقل بعدة وسائل؛ لذا هو يعتبر من أشد الأمراض انتشار في العصر الحديث، ولا تكمُن الخطورة في ارتفاع نسبة الوفيات، وإنما في ارتفاع عدد الإصابات وصعوبة تقديم الرعاية الصحية له في حالة ارتفاع العدد بما يفوق القدرة الاستيعابية للخدمات الصحية، وهذا الأمر الذي يؤرق المؤسسات الصحية في كل دول العالم.
الأمر الذي يعُود بنا للحديث عن المواطنة المسؤولة عن اتخاذ القرار الملائم مع الحياة التي يعيشها؛ ففي ظلِّ كل هذه الإصابات، فإنَّ الأمر يُترك للمواطن في تقدير القرار الذي يتخذه بالالتزام بالتوجيهات والقرارات التي تصدرها الحكومة؛ فمخالفة هذه القرارات تأثيرها كبير أولا على إصابة المواطن، مما يُسهم في سرعة الانتقال إلى الوسط الاجتماعي الذي يعيش به، بدءًا من أسرته الصغيرة إلى أفراد أسرته الكبيرة والمجتمع الذي يعيش فيه، ثم إلى عامة المجتمع، ولنا أمثلة في الحالة 31 في كوريا الجنوبية، وكيف أسهمت في انتشار المرض نتيجة القرار السلبي الذي اتخذته وعدم الاستماع لتوجيهات الأطباء؛ فالمسؤولية الوطنية تتطلب الصبر على الحجر المنزلي للفترة التي تم تحديدها، والعمل على الضبط الذاتي، واستغلال الوقت بما يمنعك من مغادرة المكان، أو المساهمة في نشر المرض، فأنت جزء من هذا الوطن، فالمواطن هو المعنيُّ الأساسيُّ في كسر السلسلة وإيقاف الانتشار الوبائي.