تداعيات الكذب

 

 

عائض الأحمد

 

ليس هناك أسوأ من تداول الأخبار وتناول المستجدات وطرحها للمتلقي على أنها حقيقة وقطعية ومن مصادر موثوقة، وهي في الغالب صادرة من خلف مقود مدلِّسٍ حاقدٍ ينشر الكذب ويقتات عليه كالطفيليات مستمتعًا بقذارته قولًا وعملًا.

لم أجد قومًا ينتشر بينهم كل هذا الهراء والافتراء ومقاطع مهرجي الفضاء كما نفعل.

 أي ذنب اقترفناه لنستقبل كل هذا ونردده في مجالسنا حتى فاضت به الحناجر وضاقت به الصدور وامتلأت به العقول الصدئة، ولم تعد لدينا القدرة على طرح المُفيد وإنما تصحيح المتداول كذبًا وزورًا.

المعيب بأننا -كبارا وصغارا- لم نعد نفرق؛ فالكل محلل والكل سياسي والجميع متحدث رسمي، يأتيك بأخبار الوزارة والإمارة والسفارة، ثم ينتقل شرقًا وغربًا، جامعًا ما عجزت عنه أغلب وكالات الأنباء العالمية.

ثم يختم رسالته الموبوءة، بالعبارة الشهيرة (كما وصلني).

وصلك أنت؟! ومن طلب منك أن توصلها لنا؟

 

هل علِمْتَ مصدرها؟

 

هل نقلته عن علم ومعرفة؟

 

ثم هل فكرت في خفاياه وإلى أي مستوى قد يصل بين عامة الناس؟.

 

يقول أحد الحكماء: "الصمت في حضرة المتحدثين وتعالي الأصوات أبلغ موعظة"

وتقول العرب: "اختلط الحابل بالنابل" عندما تصبح الأمور غير واضحة ويعلوها الغبار، فتضيق الأفق وتنعدم الرؤية ويصبح ممسكاً الحبال ورماة السهام في خضم واحد؛ لا تستطيع التفريق بينهم.

هذه الجلبة والضجيج وتعالي أصوات أشباه المتعلمين المدركين أصحاب الخبرة وتقهقرهم للصفوف الخلفية نتاج طبيعي لما نراه الآن، فعندما يتولى مفاصل الإعلام أمثال هؤلاء فليس لنا غير الدعاء بزوال الغمة، وانكشاف الهم عن الأمة.

وكما يقال: "الحديث بالحديث يذكر" زارني أحد أساتذة الإعلام في إحدى الجامعات العربية سابقًا -وبحمد الله- تقاعد منذ زمن وانقطعت علاقته (بمدرجات) لم يكن لها أي علاقة بمخرجات تُؤسس لعمل واقع.

والآن يشاهد ما يحدث حاله حال البقية.

والحديث له كان لدي طالب فقير مُعدم ليصل إلى الجامعة فقط يُعاني مُعاناة، الله بها عليم، ولن تصدق بأنَّ أحد أسباب انتباهي له (مظهره وملبسه) المتكرر يوميًّا على مدار عام كامل، فكنت أجول بنظري فأشاهده في وسط الحضور ولم أرهُ يومًا متذمرًا أو يطلب مساعدة من أحد، وكنت أتوقع له مستقبلًا باهرًا، وأكرر ذلك في أغلب محاضراتي بوجوده وكان يرد بابتسامة رضا.

وحدث ما توقعت.. كان الأول مع مرتبة الشرف. على العكس منه تمامًا ابن الباشا.

عمومًا في أحد الأيام وأنا في مطعم شهير يقدم (الفلافل) وإذا به يُقدمها لي مع مرتبة الشرف والسلطة الخضراء وبعض المخللات لفتح الشهية. بينما ابن (الباشا) يُدير قناة تحيي الأمة.

 

ومضة:

الجميع يحلم والقليل منِّا يبلغ غايته.

ليس مهماً أن تفشل.. فمُعظم الناجحين يسبقهم الكثير من السقوط والفشل.