دكتوراه مع وقف التنفيذ

 

 

عائض الأحمد

 

 

في مُفارقة عجيبة ربما تحدث مع الكثيرين كان أحد فصولها أثناء حديث هاتفي مع أحد الأشخاص، وحقيقة لم أكن أعلم من هو أو بأي لقب يرغب أن يُسبق اسمه، وبعد سرد مضنٍ وعصف للذاكرة، تبادر إلى ذهني الأستاذ، ولم يكن أسوأ أستاذ أُطلق عليه هذا اللقب الذي لم يكن ليشرفه يومًا ما، وإنما (شرشحة ودردحة) وجعله نكرة أن حمله أمثاله.

فما كان مني إلا تدارك خطئي الفادح الذي لا يغتفر أمام صراخ هذا الرجل المعتوه فقلت له: "هدئ من روعك يا باشمهندس" فرفع عقيرته واستشاط غضبًا (أنت شايفني لابس خوذة)".

أنا أكلمك عبر الهاتف يا أحمق فمن أين لي أن أراك، عمومًا أخذ الحديث مجرى آخر في مجاملة هذا الرجل الفج المتغطرس المنتفخ حد التخمة.. وأحمد الله أنه حديث عابر لا يتكرر مع أمثاله كل يوم.

فقلت له هدئ من روعك يا دكتور.. من لا يعرفك يجهلك، أعتذر منك؛ لم أكن أعلم بأنك دكتور، فأخذ نفسًا عميقًا كادت أنفاسه تتقطع من زهوه وانبلاج أساريره، وأخذ يردد "وخريج أشهر جامعات أمريكا، وأمضيت خمس سنوات أحضّر الدكتوراه في أدق العلوم"، ولكن للأسف هناك من يستكثر عليّ اللقب وأنا من أحضّره بجدي وعملي واجتهادي.

نعم.. نعم.. وفقك الله يا دكتور وبإذن الله نزوركم فقط، ونتشرف برؤيتكم، ممكن عنوان المستشفى الذي تعمل به؟ فما كان منه إلا أن هاج وماج، وعلى ما أعتقد بأنني سمعت أصوات تكسير الزجاج من حوله وهو يُردد من قال لك بأنني أعمل في مستشفى، أنا أستاذ دكتور في جامعة ومتخصص في السلوك الإنساني، وهو أعمق تخصص وصلت إليه البشرية إلى الآن.

ولكن مع الأسف لم يربِّ فيك أي قيمة حسية أو يزيدك تواضعًا وانكسارًا أمام المشاعر الإنسانية، بل زادك صلفًا وغطرسة ومناعة زائفة ضد فضيلة التواضع، وجعل من رأسك جوقة أو مجموعة تردد نشازًا زَهد فيه السامع.

 

إن لم يكن لعلمك أثر في أخلاقك فما الفائدة منه. البعض لديه نقص مهما حاول إخفاءه، فهو يظهره في تصرفاته البسيطة التي تعكس صورته الحقيقية أمام الجميع، وهذا الرجل ليس إلا مثال من أنماط شخصيات كثيرة نعاني منها في مجتمعاتنا.

وكما قال الشاعر سخرية من فساد حجته بعد أن كان في لحظاته الأخيرة "ياليتنا من حجنا .. سالمينا".

 

**********

ومضة:

الفرق بين العالم والجاهل ما يظهر من أخلاقه في حياته اليومية.. ما عداه فهو شأن شخصي.