المرونة بين الضبطية والتحرر

 

فاطمة الحارثية

كل قانون تمَّ وضعه كان يستهدف زمنا ويستوجب تحقيق توازن معين لظروف تشابكت وأخلّت بالصالح العام والاستمرار، بمعنى أن النظم والسياسات يتم وضعها لإتاحة المجال للنمو والازدهار في بيئة واضحة تحافظ على الأهداف بما لا يتعارض مع مصلحة الأفراد واستمرار الحياة ونقصد هنا "صالح ونفع العُموم" ولا يُشترط فيه الكمال أو المثالية لأنه صُنع ووضع ليُجيب حاجة لزمن مؤطر وغاية محددة تقود غاية عظمى أي وسيلة للحيلولة دون تأخير تقدم خطوات الأداء.

 

على سبيل المثال نستطيع أن نقول إن "السلام" هدف والنظم والقوانين والإرشادات التي دونتها الكثير من الجهات الإدارية للدولة تنسجم مع مستجدات ومتغيرات بلوغ وثبات واستدامة هذا الهدف. ولأننا دولة عصرية فإنَّ القوانين "الضبطية" في تجدُدٍ مُستمر لإحداث التوازن المطلوب حتى تبقى كفة "السلام" ثابتة وموازنة لمتغيرات ومتطلبات العصر والتكنولوجيا الحديثة.

إذًا الضبطية شرط من شروط بيان طريق التغيير والنمو والتقدم والحفاظ على الرفاهية والحياة. كما أنَّ المراجعة والتحليل العملي يخلق حقائق قد تغير مسار الافتراضات وتضع الواقع والحقيقة نصب صناعة القوانين والسياسات. وعليه ماذا نقول لكل من يعترض على وجود القوانين والأنظمة والسياسات على مستوى الدول فالدولة فالمؤسسة فالمجتمع فالأسرة؟ هل الجهل أم الانحراف ما يقود رغبته؟ أم أهداف محدودة النفعية مخصصة ليست ذات نفع عام نبيل؟. لقد أثرى الكثير من العلماء في شتى المجالات والعلوم عن دور الفرد في ما يقوم به من إيعاز وتأثير، سواء في البيئة التي يعيش فيها أو المجال الذي يؤثر فيه أو الاقتصاد أو الاستقرار المجتمعي والدولي، فقدموا ما استطاع من حقائق لا يجب أن نتغاضى عنها بل إن قبولها يعطينا المجال من أجل تقديم المعالجة المناسبة لسلوكيات تبدو فردية لفترة ثم وبعد حين تتشكل في عضد يُرهق النمو والاستقرار.

لابد من أساسيات يُستَهل منها سنّ الضبطية قبل الشروع في أي مشروع، ومرونتها أثناء وبعد المشروع في ثوابت واضحة، وإن كان لخُطط العمل والاستراتيجيات أهمية فإنَّ الضبطية جوهر التطبيق لكافة الخطط والأهداف والمسارات، فهي التي تُحافظ على التوازن بين النتائج وبين استدامة المبتغى. لذلك إن حذت كافة المؤسسات والشركات مسار الدولة الحديثة، دولة الطموح وبدأت في مُراجعة قوانينها التي كانت مُناسبة في وقت مضى بسلاسة دون الإخلال بالأعمال والعُمال لسوف يتحقق الانتقال السليم والدقيق دون ضرر أو ضرار.  

كما نعلم جميعاً أنَّ خطط العمل والإنتاج والاستراتيجيات في تغير وتشكل دائم حسب ما تملي الظروف الاقتصادية عليها في المُقابل نجد للأسف عدم توافق بين متغيرات الخطط والاستراتيجيات أمام القوانين الضبطية والإدارية والجودة! فنحن نطبق خطط عمل مُستحدثة تحت وطأة ذات القوانين، بالرغم من يقين الواعي المدرك بأنَّ التوازن بين الخطط المستحدثة والمتغيرات في القوانين والإرشادات تهيئ التنفيذ المناسب، على سبيل المثال لا الحصر؛ المتابع لمناهج التعليم يجدها في تغير ملحوظ واستحداث يحاول مواكبة التقنيات الجديدة وأيدولوجيات حاجة الأعمال لتهيئة جيل يمتلك الإمكانيات والمفاهيم الحديثة للمساهمة في البناء؛ بيد أنَّ الاختلاف في الرأي يكمن في التساؤلات التالية: هل الجيل يتم تهيئته لأخذ زمام العمران أو لاستكمال جسر الانتقال المرحلي من ثقافة اجتماعية واقتصادية إلى أخرى؟ أية نزعة يتم العمل بها؟ في مُقابل حال عدم تغير في أنظمة وقوانين كانت لوقت ما مناسبة منذ عشرات السنين فما الجديد الذي يناسب الاستحداثات والتغييرات التي تحصل حاليًا في كيان جيل "رعوي مُرهق" وهو الذي في وقت ما قادم سوف يقود عباب سلام وشموخ عمان. ماذا يأتي أولاً كتغيير وبمنظور آخر هل التهيئة تأتي أولاً وبعدها الضبطية والإرشادات في تزامن مناسب مع المستحدث من مناهج وأمور؟ أم المناهج التي لم تحمل سمات التهيئة المناسبة ولا الضبطية المرنة!.

جسر...

قد نتفق جميعاً على أنَّ صناعة القرار الأمثل تأتي بعد متابعة مستفيضة للحقائق (التي هي في الواقع متغيرة)، وإن أمرين مهمين قد يؤثران بصورة جوهرية في صناعة القرار السليم، وهما الوقت وشفافية المعلومات. لقد شهد الكثير من الناس المآسي بسبب قرارات لم يبررها إلا ضيق الوقت وعدم دقة المعلومات.

حرب المعلومات وكيفية مُعالجتها كانت ومازالت تُرهق الإنسان على الأرض، وتكبد اقتصاد العالم الخسائر تلوى الخسائر.