العهد الجديد

6- المساءلة والمحاسبة

 

د. صالح الفهدي

تطرّق الخطاب التأسيسي الأول لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى المحاسبة والمساءلة مع جملة عناصر أخرى وذلك "لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها".

وليس من شكّ فإنّه لا يستقيم نظام إداريّ مهما كانت قواعده، ونظمه، وتشريعاته على درجة عالية من الدقّة، والتنظيم، والوضوح، إن لم تصاحبه مساءلة ومحاسبة في حال الميل عن مساره، واستغلاله من أجل تحقيق مآرب شخصية.

فالمساءلة والمحاسبة -في حال التفريط في أمانة الوظيفة- تشكّل عناصر ضبط لإصلاح النظام الإداري، وضمان لسيره في مساره المستقيم، وعدم خلطه بالأمزجة والأهواء والمصالح الشخصية.

وتعني المساءلة بحسب تعريف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لها "أنها الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه إليهم، وقبول المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش"، الأمر الذي يعني أنّ الوظيفة ليست تشريفا بقدر ما هي تكليف، وأنّ المناصب ليست أسباباً للوجاهة والتفاخر بقدر ما هي مسؤولية منوطة على كاهل أصحابها، ومن هذا المنطلق فإنّ عليهم – وفقاً لعنصر المساءلة- أن يتحمّلوا عواقب قراراتهم، وأن يكونوا قادرين على تبرير أفعالهم، حينما يطلب منهم ذلك في حال الشكّ، أو الاستفسار، أو ما يحدث من مواقف وأحداث غير طبيعية. أمّا عنصر المحاسبة فهو المكمّل للمساءلة خاصّةً في حال ثبوت التصرّف الخاطئ المتعمّد، وخيانة الموظف للأمانة الوظيفية التي أوكلت له.

على أنّ المساءلة والمحاسبة لا تكون إلاّ بعد التفويض والتمكين اللّذين يمنحان الموظف صلاحيات معيّنة سواءً أكانت محدودةً أو مطلقةً، أمّا أن يُساءل موظف ويحاسب في موضوع تلقّى أمر تنفيذه من رئيسه المباشر ليكون هو "كبش فداء" فذلك سلوك غير صحيح داخل المؤسسة، وقد وقعت أمثلة على ذلك ذهب ضحيتها موظفون أبرياء لم تكن ذنوبهم سوى أنّهم نفّذوا أوامر من لدن مسؤوليهم المباشرين دون أن يدركوا الغايات من ورائها...!

وإذا كانت العبارة الشائعة "المال السائب يعلّم السرقة" فإنّ هذا يعني التفريط في المسؤولية ليس فقط من قبل المنوطة على أكتافهم، وإنّما أيضاً من مسؤوليهم الأعلى لأنّهم لم يحسنوا مراقبتهم، وضبط سلوكياتهم، والتدقيق في أدائهم. ولقد أتاح التفريط في المسؤولية في بعض مؤسسات القطاع الحكومي تفشّي ظاهرة الرشوة وهي من أقوى الوسائل الخبيثة لهدم النظام المؤسسي، بل والمجتمعي، حتى أصبحت باباً للإثراء غير المشروع للجشعين الأنانيّن على حساب المصلحة العامة، ولم يعد هذا الأمر سرّاً بل إن البعض أصبح لا يجد غضاضة في طلب الرشوة لتخليص معاملات، واستخراج تصاريح، وإنهاء إجراءات. ولكون أنّ الأمر قد أصبح ظاهرةً في بعض المؤسسات فإنّ السكوت عنها يعني "ترك الحبل على الغارب" دون ضبط لها، وهو ما يعني المشاركة فيها بقصد أو بغير قصد. كما أنّ بعض المسؤولين يتجنّبون مساءلة أو محاسبة موظفيهم لارتباطات مصالح، أو وجود علاقات شخصية، بل ويكافئونهم بالعلاوات والترقيات والمناصب فضلاً عن ذلك، وهو ما يشجع على تفشي الإهمال، والتقصير، وضمور الأداء في بيئة العمل.

أمّا في حال تفعيل أداتيّ المساءلة والمحاسبة فإنّ الأداء المؤسسي سيتحسّن، ويتطوّر، وذلك باستشعار الجهة التنفيذية بأنّها واقعة تحت طائلتهما في أيّ حال من الأحوال الأمر الذي يجعلها ملتزمةً بالنزاهة والشفافية في أدائها، وبعيدةً كل البعد على التصرفات المريبة، والسلوكيات غير السّوية.

وتتطلّب فاعلية المساءلة والمحاسبة من وجهة نظري بعض الضوابط والقرارات الحازمة ومنها:

  • ممارسة الأجهزة المختلفة للدولة المهام المنوطة بها في المساءلة الإدارية والمالية، دون قيود أو شروط.
  •  تشديد الجهات القضائية للعقوبات المتعلقة بالمحاسبة على خيانة أمانة الوظيفة.
  •  ممارسة لجان شؤون الموظفين في المؤسسات أدوارها فيما يتعلق بالمساءلة والمحاسبة.
  •  ترسيخ قيمة الشفافية في الأداء، والبعد عن الغموض والالتفاف على القوانين والتشريعات.
  •  مكافحة الفساد على اختلاف أنواعه، وتقديم المرتشين والراشين إلى العدالة، وذلك عبر "المخبر السرّي".
  •  تفعيل التفويض والتمكين قبل المساءلة والمحاسبة لدى الأفراد في مختلف المستويات الإدارية.
  •  وجود أنظمة تحفيز ومكافأة في مقابل المساءلة والمحاسبة حتى لا تكون الأخيرة مثبطة للعمل، بل إنّ جعل التحفيز والدوافع التشجيعية كقاعدة عامة يرفع من مستوى أداء الموظف.

 هذه بعض المرئيات التي يمكن أن تساعد في تطبيق المساءلة والمحاسبة في الدوائر والوحدات الحكومية، سعياً إلى تطوير الأداء الحكومي، ورفع مستوى الخدمة المقدمة من هذا القطاع، وممارسة دوره على أكمل وجه.