مُرّ الكلام

 

غسان الشهابي *

* كاتب بحريني

يتعجب الكاتب الحُر من انتهاج الكثير من الكُتاب المديح للسلطات السياسية أو الدينية أو الاقتصادية، في كل ما تفعل، في كل حركاتها وسكناتها، في كل ما تفعله، أو تُصّرح بفعله، كما يمدحها في ما تعود عنه بعد سنوات من فعله.

وإذا كان السبب – الذي لو عُرف لبطل العجب – هو الاستفادة المادية أو المعنوية من هذا الاصطفاف الأهوج، والمال الذي يُمكن أن يتلقاه المادح، فإنَّ هذا لا يكفي لإطفاء سبب التعجب، لأنَّ الكاتب الحق يرى نفسه أعلى من أن يُشترى أو يُستأجر من أجل مُمارسة عهر إعلامي رخيص في مدح الفساد، والأسوأ من مدح الفساد المالي والإداري، تبريره وتسويقه. فإنَّ كان "الطبَّال" الأجوف مزعجاً وإزعاجه هذا يُنفّر النفر الأكبر من النَّاس، فيغدو لا صاحب له ولا قراء إلا الممدوحين، فإنَّ المُبرر للأخطاء والتجاوزات والفساد والرشاوى والانحراف يشغل جميع خلال الذكاء والعاطفة في عقله ليُحاول إقناع المتلقي بأنَّ ما فعله ولي النِّعم هو الصواب بعينه، وبحسب ذكائه ودهائه، يمكنه اصطياد بعضاً من الغُشَّم، نقيي السرائر ليصدقوا هذره هذا، وقبول المتلقي أو رضاه ليس مهماً ما دام الممدوح راضياً ولو بسخط أهل الدنيا أجمعين.

وآثار المادح الطبَّال لا تتوقف عند تصديق المتلقي لهذه العبارات، على قبح هذه الآثار، ولكنها تجمّل الخطأ في نفس المخطئ، وتهرب السيئ من الباب الخلفي من جميع أفعاله، فتحلو بمثل هؤلاء الأخطاء والهفوات، ويجد السيئون من ينظف بالكلمات وراءهم ما نثرته أفعالهم من قاذورات وأوساخ.

في المُقابل، فإنَّ مرّ الكلام، أي النقد الحقيقي والبنَّاء، والرامي إلى المصالح العامة وليست الخاصة، الكلام المبرأ من كل ما يقدح به أو بصاحبه لأنَّ لا شبهة تشوبه، ولا نوايا شخصية تتعلق به، فإنِّه راية حق وعز، عيب هذا الكلام هو ميزته وفضيلته، وهو أن لا أحد يُموّله، ولا أحد يشتريه، قد يجد الكثيرون الذين يعجبون به، وقد يجد متناقلين كثر له، ولكنهم لا يغنون عن صاحبه شيئاً، لا يغنوه، فإن هو أقصي فلن يجد إلا كلمات الأسى والتعاطف، ليس أكثر.

لطالما تباهى – في الحياة – الطبَّال على الناقد، بما وصل إليه عن طريق ابتذال قلمه، في الوقت الذي يشفق عليه فيه صاحب القلم النزيه، متأسياً بقول الشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم (رحمه الله):

مُرّ الكلام

زي الحسام

يقطع مكان ما يمرّ

أما المديح

سهل ومريح

يخدع لكن بيضر.