خارطة الاستثمار العمانية الموحدة

 

(مبادرة لتعزيز الاستثمار)

 

خلفان الطوقي

 

هناك العديد من المبادرات الوطنية التي طرحت رأت النور، ومنها ما لم ير النور، فالمبادرات التي لم تر النور كثيرة، ربما بسبب وجود تعقيدات في عملية اتخاذ القرار الحكومي، أو تشابكها مع عدة جهات، أو وجود موانع مالية أو إدارية، أو عدم توفر البنية التحتية، أو وجود صعوبة في استحداث قانون أو تشريع للبدء بهذه المبادرة أو المشروع، لكن هذا لا يعني التوقف عند هذه النقطة، وإيجاد وتعزيز المبررات، بل علينا البحث عن الحلول الابتكارية، أو -على الأقل- البحث عن مبادرات وطنية فاعلة يمكن أن تقوم حسب الإمكانيات المتوفرة حالياً وتخدم الصالح العام وتحقق الأهداف الوطنية ومنها التكامل والانسجام بين الجهات الحكومية فيما بينها.

هذه المُقدمة هدفها استعراض مبادرة وطنية قابلة للتطبيق وغير مكلفة وفاعلة ولا تحتاج إلى إمكانيات إضافية، ومطبقة في دول كثيرة وحققت نجاحا باهرا، والمبادرة هي عبارة عن إنشاء منصة إلكترونية موحدة وشاملة تضم "خارطة عُمان الاستثمارية"، علماً بأنَّ هناك منصة إلكترونية في الوقت الراهن، لكنها تختلف عن مقترحي، فالمنصة الحالية تضم الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات "إثراء" ومركز الاستثمار التابع لوزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للتخصيص والشراكة فقط، لكن ما أقصده هو تجميع باقي الجهات الحكومية مثل وزارة السياحة وهيئة التعدين ومجلس المناقصات وبلدية مسقط ووزارة الإسكان والبلديات الإقليمية ووزارة النقل ووزارة الاتصالات وباقي الجهات الحكومية التي لديها مشاريع استثمارية كبرى، وضمها إلى هذه المنصة الإلكترونية لترويجها داخليا (القطاع الخاص في عمان) وخارج السلطنة، ويتم تغذيتها بالمعلومات وتجديدها وتقيمها بشكل دوري.

المبادرة سوف تحقق عددًا من الأهداف الاستراتيجية منها توحيد الجهود بين الجهات الحكومية، وإظهارها بمظهر حضاري تظهر من خلاله عوامل الانسجام والتكامل وتركيز الجهود الوطنية، كما سوف تقنع القطاع الخاص المحلي وذلك بتوفير عشرات الفرص الاستثمارية التي سوف تحفزهم لضخ هذه الأموال محليا، وتنويع محفظتهم الاستثمارية بدلا من تركيزها في الودائع البنكية أو شراء سندات أو أذونات مضمونة الفائدة أو هروبها خارج البلاد، أيضا هذا التوحيد لهذه المنصة سوف يثري "المحتوى" الذي سوف يكون في المنصة، والتي بدورها سوف تساهم في جذب أنظار "المستثمر الخارجي" وتزيد من شهيته للاستثمار في السلطنة، هذان الهدفان سوف يحققان أهدافا جوهرية هامة منها: أولا خلق فرص عمل جديدة حتما سوف يستفيد منها العمانيون، ثانيا: سوف تنشط عجلة الاقتصاد الكلي (macro) والتي سوف يستفيد منها كل صاحب نشاط تجاري في السلطنة بدءًا من البنوك التجارية وانتهاء بصاحب بناية أو صاحب مقهى، ثالثا: سوف يعزز من عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث إن أي استثمار كبير لابد له أن يعتمد على خدمات "مساندة" مصاحبة، والتي تقوم بها وتقدمها المؤسسات المتناهية في الصغر والصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى ذلك ارتفاع دخل خزينة الدولة من خلال الضرائب والرسوم المحصلة على الخدمات الحكومية التجارية، وفوائد وأهداف كثيرة أخرى لا يمكن حصرها في مقالة واحدة.

الخريطة الاستثمارية الموحدة لوحدها لا تكفي، بل ضرورة أن ندرك أن هناك دولاً أكثر منافسة وشراسة وإغراءً تسعى لنفس المستثمر الذي نسعى إليه، لذلك لابد أن نجعل هذه المنصة "ممكنة" بمعنى أن نقول للمستثمر المحلي والخارجي أن الاستثمار في عمان هو المغري لك، وأن "عوامل النجاح" متوفرة هنا، فمن أهم عوامل النجاح المقصودة: أن "التراخيص" لهذا المشروع أو ذاك جاهزة، وأننا على أتم الاستعداد لاستقبالك، ولن نجعلك تخسر مالك أو تهدر جهدك أو تضيع وقتك من جهة حكومية إلى أخرى، فترتيب البيت "داخليا" لاستقبال الضيف في غاية الأهمية، أضف إلى ذلك عامل "التسويق" المستمر بطرق مقنعة وحديثة ومبتكرة (داخليا وخارجيا) ويمكن الاستعانة بالقوائم المتوفرة في غرفة تجارة وصناعة عمان وسفاراتنا ومكاتبنا التجارية خارج السلطنة وتفعيلها بشكل إضافي، كما أن علينا ألا نغفل عن هذا العامل "التنافسي" وأقصد هنا أن تكون الفرص المعروضة "مغرية" تجاريا، وكما أسلفت فإن هناك منافسين شرسين من حولنا ينظرون إلى إقناع نفس المستثمر، ونظرتهم طويلة المدى وليس إرهاق المستثمر من أول لحظة، وأخيرا تطبيق مبدأ "الشراكة" الحقيقة والعادلة بين القطاعين الحكومي والقطاع المستهدف وهو القطاع الخاص، خاصة بوجود هيئة معنية لهذا الهدف "التخصيص والشراكة".

الآن هو "التوقيت" المناسب لتبني هذه المبادرة والمبادرات الجادة المشابهة التي تعزز من الحلول الاقتصادية، فلا مجال لتضييع مزيد من الوقت والجهد والمال والفكر، خاصة وأن جلالة السلطان المعظم-حفظه الله ورعاه- تعهد في خطابه الأول أن يُعطي أهمية قصوى للملف الاقتصادي، وطالب الجميع كل من موقعه بضرورة المشاركة الفاعلة ومضاعفة الجهود، وفي توقيت حساس يتزايد فيها الباحثون عن الفرص الوظيفية وظهور ملف "المسرحين" وإشكاليات اقتصادية داخلية وخارجية معروفة لمعظم المتابعين، فبدون مبادرات فعالة وتكامل وتنسيق وجدية في توحيد الجهود الوطنية المخلصة، فإن تقدمنا سيكون بطيئا جدا مقارنة بالآخرين.