فلسفة الاستدامة

 

فاطمة الحارثية

 

لنا اتجاه كما أسلفت في حبر سابق أنَّ الغالب بين أوساطنا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية قد تجذر فيه ثقافة استعارة فكر ونظريات الآخرين وتجاربهم فهم يثقون كل الثقة بالغريب الوحشي بحكم أنه مستورد، نعم للأسف الشديد نحن شعب يثق بالمستورد ويتغنى بأسفاره الثقافية دون انتماء ملموس لجذوره ولا احترام أو تقدير لجذوة أصالة براعتنا.

عندما نتحدث عن الاستدامة الحديثة المستوردة فإنَّ المرجع يقدم ما استحدثته المؤسسات والشركات من أعمال وتقنيات جديدة تعطي مؤشر تطور الشركة وبالتالي إطالة في أدائها في تغييب واضح لمتغيرات السوق والتوافق ما بين المنتجات وحاجة المستهلك، وبين الجودة والنوعية والتجديد في محيط الاستخدامات والانتفاع، ناهيك عن مؤشرات وتدارس زيادة وضعف الطلب على المنتجات أي العمر الاقتصادي للمنتج.

وللاستدامة نماذج وتطبيقات مُختلفة كل حسب بوتقته مما يبرهن على تنوع المؤثرات وتغيرها حسب المُعطيات التي يتناولها كل نموذج، ليُقابل رغبة المستخدم، لكنه وفي الوقت ذاته لا يعطي المرونة المطلوبة اقتصادياً مما يُتيح المجال للبعض ليُؤطر ما يُناسبه بعيدًا عمَّا يناسب المؤسسة ذاتها في أحيان كثيرة ليظهر وينال فقاعة تصفيق إنجازات غير حقيقية.

إذن لابد من حلقة وصل تربط بين المُعطيات المتوفرة والمطلوبة لتتحقق التكاملية في استدامة مرنة تخدم تقدم المؤسسات والشركات تصاعديا وتطور الاقتصاد وإرضاء المستهلك معاً، إنَّ الاستجابة التي يُحققها المُنتح الصناعي أو التجاري كمخرج وناتج جودة أدائه وقوة إقبال المُستهلك هو برهان على أنَّ المنظومة التي استخدمها هي المطلوبة والخاصة النافعة له التي تحقق له الاستمرار في التنافسية والاستدامة. ولي أن أجانب طرحا مختلفا في مفهوم الاستدامة في قولي هنا، إذ إنَّ المتعارف عليه أن ثلاثي معيار الاستدامة هو الأجدر والأكثر كفاءة عند المشتغلين عليه والباحثين وهنا أزيد عليها مجالين قد يتوافقان مع البعض وقد لا يتوافقان مع متطلبات الآخرين وقد يحبذ آخرون استخدام أحدهما وإقصاء أحد العناصر الرئيسية المتعارف عليها في ثلاثية معايير الاستدامة العالمية (البيئة، الاقتصاد، المجتمع).

إنَّ جاد لي هذا الطرح فإنَّ إضافة إرضاء المستهلك المتمثل في معايير ومقياس زيادة الطلب على المنتج وتنوع الاستخدام كعنصر يُعطي الشركات درجة في معايير الاستدامة هو أحد المجالين الذي أطرحهما هنا، والمجال الثاني ليس بخافٍ عن أحد وهو إدارة التغيير والذي بشقيه يُعد عجلة ووقود الاستدامة، التنمية ترادف النمو والازدهار ومواكبة المستجدات من التكنولوجيا والنظريات الاقتصادية وتطبيقات الإدارة المتجددة وهذا يجانب واقع أن مفهوم البقاء على ذات النمط هو الانتهاء والخسارة بكل تأكيد مما يظهر أهمية تنمية الأفراد المحركين للصناعة وتثقيف المستهلك (لإشباعه وتخمه بالخدمات فقط) وهذه كلها تصب لواقع التغيير والتغير لنحقق البقاء والاستمرار باللغة الحديثة للتنمية المُستدامة.

لنا أن نلمس حقيقة أنَّ دمج إدارة التغيير بشقيه وأنواعه المختلفة يفتح الأفق لتنمية مُستدامة متكاملة، فليس كل ما يأتي به دور الاستشارة قابل للتطبيق الكلي على كافة المؤسسات والشركات فلكل مؤسسة وشركة مجاله وزمنه وبيئته وثقافته وخواصه وظروفه، لك أن تتناول التجربة بمعطيات رفيعة الفكر كالاستراتيجيات والأنظمة وصناعة الاستدامة في إدارة تغييرية تُعطيك التصور القصير والطويل الأمد كبرهان تكاملي للخلل الناخر للحاضر والردم المطلوب للمستقبل والاستمرار في عواصف الاقتصاد ومُتغيراته بجلد.

جسر...

يتغنى الصوت العالي بمفازات ليست له وصوته الناشز يطغى على جوهر المكترث والمجتهد من أجل إعمام الصالح والمفيد للمجتمع والإنسان العماني، فلقد وجد المطبلون طرقاً جديدة للنخر وإبعاد الطيب من أجل اعتلاء مراكز القرار وردم كل ما لا ينفعهم أو يصب في مصالحهم الشخصية، فهل من متنبه واعي مدرك للحقائق؟!