كَيّ الألسنة الفاحشة

< لابد من كيِّ هذه الألسن لأن انفلاتها يعني تشطيرها للمجتمع عموديا

 

غسان الشهابي

هُناك أمورٌ في الحياة لا تحتاج أكثر من تجاوز خطها الأحمر لمرة واحدة؛ حتى تُصبح اعتيادية عند الكثير من البشر.. ومن ضمنها: البذاءة وفُحش القول!

وهذه من "الوصفات" المجرّبة في الحياة؛ حيث من بعد هذا التجاوز يسهُل كثيراً جريان السباب على اللسان، ويكون من باب اليوميات بعد ذلك، ومع انتشار هذه الألفاظ وتعوُّد اللسان عليها، يجري قولها من دون تمريرها على مناطق الشعور في المخ والضمير والذائقة العامة.

هذا الأمر بات شائعاً هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي في توصيف شخص مقيت، أو موقف كريه، ولم يعد هناك من يتوقف عند الألفاظ الفاحشة مستنكراً، بل إن الكثير من هذه الألفاظ فقدت ألقها وفعلها الجارح لكثرة ما جرت استباحتها وابتذالها، ومن الجنسين، وكان في المخيال العربي الجمعي أنَّ الكلام الفاحش لا يصدر علناً من الإناث؛ فاليوم بات يصدر ولكن يحتجن إلى قليل من التمارين ليلحقن بالرجل من باب المساواة؛ لذلك ازدادت كمية الاختراعات في الألفاظ النابية لتضيف معاني جديدة لم تكن مطروقة لعلّها تصل إلى التأثير في الطرف المعني.

الأمر تحول إلى هتافات جماهيرية في الملاعب أحيانا، وفي ساحات الاحتجاج في أحيان أخرى، حتى وكأن ليس من التشجيع رياضيًّا، ولا النضالية، رفع شعارات خالية من البذاءة؛ لأنها غير قادرة على أن "تفشّ الخلق" كما يُقال.

أجدادنا قالوا: "الحياء نقطة"، وكانوا يحافظون على هذه النقطة لئلا تتحرك من مكانها؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أنها إن تحركت -أو كما يقولون: "زرّت"- فإنها من الصعب أن تعود إلى ما كانت عليه.

هذه الشكوى اليوم نجدها في عدد من الدول الخليجية التي ظهرت فيها حالات من المصابين بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)؛ حيث جرى التعامل مع هذا الأمر بنفس طائفي بغيض من قبل البعض، ففي حين أن همَّ المجتمع التطهّر من هذا الذي اجتاح العالم، قام أناس بتحريك ملفات "المؤامرة" و"الانتماء إلى الخارج"، معززين هذه الكلاشيهات بشيء غير قليل من الوصوف النابية، والاتهامات المقززة، ذلك أن الكثير من هؤلاء النفر كانوا قد مارسوا السباب والضرب في الأعراض، والقدح في الذمم والنوايا منذ سنين، خصوصاً في المفاصل الصعبة التي تتطلب الوحدة الوطنية ولمّ الصفوف ورصّها، فمن الطبيعي أن تستمرّ هذه الممارسة البذيئة تجري على ألسنهم، لكنها لا تُصيب شخصاً بعينه، لأنها تصيب فئة من المجتمع، حينها لابد من كيّ هذه الألسن لأن انفلاتها يعني تشطيرها للمجتمع عموديًّا إلى طوائف ومذاهب، ويجري حينها التفعيل للهويات الفرعية النائمة، كلٌّ يلوذ بهويته ويدافع عنها... وهذا أسوأ ما يمكن أن يخرج به الشتّامون.