قوّة البيانات.. سحر النتائج

غسان الشهابي

عندما عرضت جامعة ليفربول جون موريس برنامجها في "البيانات الضخمة" في إحدى المُناسبات، عدد أحد القياديين في الجامعة المنافع التي تأتي من تجميع هذه البيانات الضخمة وتحليلها والخروج بنتائج منها، ومن بين ما عرضه فيديو لمُباراة في كرة القدم بينما البيانات أسفل الشاشة تتالى: السرعة، مكان اللعب في الملعب، الأرجل التي ركلت الكرة، اتّجاهات اللعب... كمّ عظيم آخر من البيانات المُذهلة، ولكن ما الذي يُمكننا أن نفعل بكل هذا الكمّ من البيانات التي تتوفر في الثانية الواحدة؟!

ذاع فيديو في الأسبوع الماضي عن سرِّ التفوق الذي يُحققه نادي ليفربول الإنجليزي لكرة القدم، ويُشير الفيديو إلى أنَّ النادي الذي لم يذق طعم بطولة الدوري الإنجليزي منذ 1990 قرر أن يستند إلى العلم، فوظّف في العام 2012 أساتذة في الفيزياء النظرية والفيزياء الفلكية والرياضيات وبطل في الشطرنج، وراح الفريق يضع قواعد بيانات لعشرة آلاف لاعب، ويبدأ التحليل حتى بدأ يكوِّن الفريق الذي يُمكنه أن يكمل بعضه بعضاً ويتناغم، ويزوّد مدرب الفريق، الذي تم استقطابه في 2015 بالطريقة العلمية ذاتها، بالنتائج لكي يبني عليها الخطط استثماراً لدقائق الأمور بالنسبة للفرق المُنافسة.

لو اقتصرنا الحديث على كرة القدم وحسب، فإنَّ التاريخ "كان" يقول إنَّ بطولة كأس العالم تراوح بين أوروبا وأمريكا الجنوبية منذ 1962، فكانت للحظوظ دور، وللبلد المضيف، وللمهارات الفردية، ولتكامل الفرق في فترات زمنية محددة تبرز "المنتخب الذهبي"، ولكن الأمر لم يعد كذلك منذ 2006 (أربع بطولات) لم تتذوق أمريكا الجنوبية طعماً للكأس على الرغم من وجود لاعبين أفذاذ ذوي مهارات عالية لا تبارى، ولكن عصر البطولات الفردية، والدوافع الشخصية، والشجاعة، والإقدام... كل هذا انتهى بوجود "العلم"، كما انتهت الشجاعة والفروسية عندما تقابل البارود والسيف، وما عاد الأخير قادر على أن يصمد في وجه التطور... العلم الذي يحصي حتى أنفاس اللاعبين والمدربين وربما الجماهير، ويعطي النتائج التي - إن تم الأخذ بها بحذافيرها – تقود إلى الفوز بالمباريات ولو من الأبواب الضيقة... وهذا ما يُسجله التاريخ.

الرياضة - التي خرجت منذ زمن بعيد عن منطلقاتها الأولى لتغدو صناعة تدر مئات الملايين وأكثر - إن استخدمت العلم وطبّقته في مُبارياتها؛ فلنا أن نتخيّل حجم البيانات الضخمة التي تستخدم على أعلى المستويات في حياتنا اليومية، في الشؤون العسكرية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسياسية، في التصرفات المتوقعة للرؤساء والقيادات، وفي إدارة الأزمات، وتمرير القرارات، وغيرها الكثير.

أقول: "البيانات الضخمة التي تستخدم في حياتنا اليومية"، ولم أقل "نستخدمها"... للتفريق فقط.