ما أصعب التخوين!

 

◄ الخشية من إلصاق وسم "الخيانة" والمروق خلف رقبة أيٍّ منّا تعتبر واحدة من أهم معيقات قول الحق

 

غسان الشهابي **

** كاتب بحريني

ذكرني تصويت السيناتور الجمهوري ميت رومني لصالح إدانة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بموقف حضرته منذ أكثر من ربع قرن، حينما كان الديمقراطيون أيام بيل كلينتون هم أسياد البيت الأبيض، والتقى وفد من الشباب العربي ببعض الفعاليات الأمريكية في إحدى الولايات بشباب الحزب الجمهوري الذين يؤدون خدمات مساندة للحزب في الحملات الرئاسية.

في ذلك اللقاء قال أحد الشباب الجمهوريين إنني أؤمن بمبادئ الحزب، ولكنني عندما أرى أنَّ برنامج المرشح المنافس أكثر تماسكاً وصلابة ويتماشى مع تطلعاتي فإنني أصوت لصالحه، من دون أن أصبح "ديمقراطياً". هنا فغر أحد الشباب الحزبيين العرب فاه وقال: "لكنها خيانة..."، ولا أذكر تحديداً ما ردّ عليه الشاب الأمريكي، ولكن الردّ – في كل الحالات - لن يعدو عن أنَّ الخيانة تكمن في التصويت بما يخالف الإرادة الحرة في انتخاب من سيُمثّل تطلعاته في السنوات القليلة المُقبلة.

وعلى الرغم مما يُقال عن مساوئ الديمقراطية ونواقصها، إلا أنَّ أحداً لم يتهم الشاب الجمهوري آنذاك بالخيانة إذ يصوِّت ضمن الملايين وقد يكون تأثير صوته بسيطاً جداً، وكذلك الحال مع رومني وهو السيناتور الذي يُراهن الطرفان على عدّ الأصوات واحداً واحداً في عملية صعبة للغاية كان بالإمكان أن تنتهي بإدانة الرئيس وعزله عن منصبه فيما لو كانت الظروف مُختلفة، ذلك لأنَّ الانتماء الأعمى لأي شيء، كفيل بإفقار الفرد للبصر والبصيرة، ويصبح أسير العصبيّات المدمّرة التي من شأنها أن تجرّ أصحابها إلى الهاوية في الكثير من الحالات، ذلك لأنَّ النظام الديمقراطي الحقّ يقوم على الحرية.

وفي المُقابل، فإنَّ الخشية من إلصاق وسم "الخيانة" والمروق خلف رقبة أيٍّ منّا تعتبر واحدة من أهم معيقات قول الحق من وجهة نظر الفرد، أو اتخاذ الموقف الصحيح في أيّ معترك، أو اتخاذ موقف قد يفسَّر أنه نصرة لموقف الطابور الآخر، ذلك لأنَّ طابورك قد حاد عن جادّة الصواب، فهو ينتظر منك إمّا أن تركن عقلك على رصيف الطريق وتواصل المسير معه أيّاً ما كان موقفك من موقفه، وإما أن تنجو بعقلك ورأيك وتقول بأنك تخالفه، ولو في هذه الجزئية، وهذا ما يئد أي رغبة في النقاش أو الاختلاف، بالقدر الذي يئد القدرة على التغيير والتصويب، ويولّد – مع الوقت – المزيد من التعصّب لعدم المران على وجود من يختلف.