تنفيذ "الصفقة" عربيًا

 

فلسطين أمام سعي دؤوب للتركيع والتجويع والتشريد والتشتيت والتجهيل والتصفية والتعمية

 

غسان الشهابي **

** كاتب بحريني

 

طبيعية ردَّات الفعل الشعبية العربية خصوصاً إزاء ما أسمي "صفقة القرن" من حيث الغضب والامتعاض والسخط، سواء بين الذين قرأوا ما ورد في الصفقة، أو الذين قدّروا ألا خير يأتي من الإدارة الأمريكية في الشأن الفلسطيني، فهي منذ أن استلمت القيادة من القوى الكلاسيكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهي لا تني تسيء للقضية الفلسطينية، وتنحاز بكل صلافة إلى الجانب الصهيوني حتى وإن كان الحق أبلجاً، فإنَّ باطل الإدارات الأمريكية لا يتلجلج!

لكن بعد أيام من إبرام تلك الصفقة من جانب واحد، نعود إلى كلام قاله صائب عريقات للتلفزيون الروسي بأن السلطة الفلسطينية ليست معنية بمن حضر ومن وقَّع، ولم تفوض أحداً للحديث عنها، ولا بالتوقيع نيابة عنها، ولم توكل أحداً ليحل محلّها بالتالي، فليقل ترامب ونتنياهو ما يريدان، وليفعلا ما يحلو لهما، وليرسما من الخرائط ما يودّان، وليعبثا كلّ العبث، ويصيغا ما عليهما صياغته من عبارات مُخادعة وملتوية، لأنَّ ما على الأرض سيبقى على الأرض ولن تغيره اتفاقات جرت بعيداً عن الطرف الآخر في المسألة... عريقات مسؤول عن بعض الكلمات التي وردت قبلاً، ولكنه في النهاية كان يريد الوصول إلى هذا القول.

غير أنَّ السؤال الأهم في هذا الشأن هو ما الذي سيجري على الأرض والولايات المتحدة تتصرف بعنجهية الإقطاعي الذي يهب من الأراضي ما يشاء لمن يشاء، فراح يقسم ويمنح ويعيد ترسيم الخريطة حتى جعل من الأراضي الفلسطينية مِزَقاً لا تشابهها خريطة بلد أخرى، وسيستحيل على أبنائها رسمها في دروس الجغرافيا... أما على أرض الواقع فإنَّ هذا يعني إذابة الوجود الفلسطيني وإنهاء الصراع بصيغة (غالب/ مغلوب) وإقفال الملف إن تمَّ التطبيق الفعلي والمجتمع الدولي يعقد اجتماعات التنديد والاستياء والتوبيخ.

السؤال الذي لا يقل أهمية عن سابقه، وهو أنّ الدول العربية وقفت ذهولاً من الجرأة الأمريكية التي اختبرت عزم هذه الدول لمّا قررت نقل سفارتها إلى القدس، ولما أعلنت وقوفها مع الكيان المحتل في ضمّ الجولان، فلما لم يكن هناك من ردّ فعل، ولا وقوف صارم، بل التقاطر على البيت الأبيض للمزيد من الارتماء في أحضانه، رأت هذه الإدارة إنها مهما فعلت فلن يقف شيء في طريقها... فلم التردد والخجل إذن؟ إذن، هذه الدول معروف أنها لن تقاتل، ولن توجع الولايات المتحدة بأي شكل، وليس هناك توازن من أي شكل ليجري العمل عليه أو التلويح به... إذن؟

فلسطين (لا السلطة ولا حماس) أمام سعي دؤوب للتركيع والتجويع والتشريد والتشتيت والتجهيل والتصفية والتعمية، وكل العمليات اللا أخلاقية لاقتلاع المسمار من جدار الاحتلال، وهي لن تقف وحيدة، ولا يمكنها. ولن تنظر بعينِ منكسر إلى الصّدقات الأمريكية التي تسبقها الشروط ويتبعها أذى، ولن تنتظر دعم العالم الذي ملّ من هذه القضية التي لا ناقة له فيها ولا جمل إلا المواقف الإنسانية... هنا يأتي أضعف الإيمان، وهو الدعم بكل الأشكال للشعب الفلسطيني: سياسياً واقتصادياً، لكي يلمّ شتاته ويقوى على المقاومة ولا يُترك لقمة سائغة للئام البشرية.