نقوش على لوحة الفقد

 

عزيزة الطائية

 

 

في البدء

سيدي وأبي

ولأنّي لا أجدُ يدك

أمدّ حروف قلمي..

أسلم عليك بقلبي..

فهل وصلك السلام؟!

 

 (1)

كأنّ جسدك

يوم واراه التراب

حمامة ترفرف

في حقول الموت

كمن ينتصر للحياة

بشموخ بعد عناء

 (2)

تلك الصخرة أثقلت صدرك

أزحتها، ورحلت

تركت عينيك هائمتين

وبقيت روحي متوجسة

من جمال شروقك الإلهي

تناظر المقبرة الحزينة

(3)

هذه الريح الغامضة

كلجة البحر..

هذا المطر الغزير

كدموعنا..

 (4)

أشجار الغاف، والنخيل

ذات فجر معتم

بكتْ صلصالًا.. لا دموع، لا دماء

عانقتْ أريج

وردة صلّت عليك

جفّت، وتناثرت أوراقها

حزنًا.. وجعًا

(5)

نحن لا نبكيك

نحن نعزف أغنيات الحب

وأناشيد الامتنان

وأهازيج الولاء

ليحملك التّاريخ

إبريزة لا ينطفئ بريقها

من النّبع إلى المصب

 (6)

شدّني إلى ذراعيك الرحبتين

أغرقني في بحر عينيك

أذبني في لألاء روحك

لأغفو ساعة من النهار والليل

وأستنشق رائحة التّراب

على جنبات قبرك

(7)

حملتَ أسرار الوطن بسكينة، وحكمة

وغبتَ في مشهد صامت

تناثر حولك

أفواج المصلين

في غابة من محبرة

قاتمة

إلّا من روحك الصّافية

كملاك مسفر الوجه

دون كواكب آفلة

(8)

زهور بيضاء

تعانق الفضاء.. تتناثر

كحمامات السلام

تبعثرها رياح السّموم

على رفات الموتى

في الهجيرة

دون حداد

لتغمض عينيك

بسلام.. بأمان

(9)

تلك الأطيار

ترفرف فوق أرض مهجورة

كألم يتوارى ثم يشرق

على ساقية تشرب النّار

من هشيم الأشجار

وترحل بحلم سعيد

عند شجرة فرصاد مزهرة

بصبح جديد

 (10)

دمعة يتيمة.. حزينة

تناسلت دون ارتواء

مع بزوغ الفجر

حملتها ريح مبعثرة

كأشجار النارنج

تعرّت من أغصانها

ذوت.. وتطايرت

فأنعشت رائحتها رفات الموتى

من صلوات حبك

 (11)

وأنا في عزلتي.. يتيمة

أسامر الغياب

أعانق الرحيل

صحراء.. صحراء.. صحراء

جلستُ تحت شجرة سمر وحيدة

تذكرتك..

تذكرت أبي..

بأكفان الموتى

احتضتُ روحي

هرولتُ إلى صومعتي

وبكيتُ.. بكاءً مدرارا

(12)

كلّما اقترب طفل

من ساقية فلج، موجة بحر

من ربوة هضبة، حافة جبل

أرنو إلى طيفك المستكين

الملائكة تحوم حولي

أتشظى.. أصرخ

أبي الذي غاب عني

هل ستعود ثانية؟

هل ستذكرني؟!!

وتشدّني إلى الأرض العاشقة لها

فتحتضني كطفلتك المدللة

كأب رؤوم، جسور

في لقاء سرمدي عجيب

(13)

هل سأطرق باب المقبرة؟

سأقف عند قبرك مكلومة..

ولن أبكي!!

ليسمع العالم أهازيج الفقد

عندما ودعتنا إلى التّراب

ودمعت الغيمات بالرّيح، بالصّهيل

حتى سقتْ السّماء قلب الأرض

لا.. لن أبكيك!!

ليبقَ محراب قدسك

سلال من الياسمين

 

(14)

كان وجهك ملهمًا

كبحر عُمان

تندفع أمواجه حالمة

بحنان، وسكون

لتروي حكاية سلاطينه، وتاريخ أساطيله

الذين جابوا البحار

وتخطوا الأقدار

بتطريزة حلم من سندس الحرير

ولآلئ الأصداف

قصصها، ورواياتها

تستقي منها الأنام

وتعود العصافير إلى غنائها

(15)

بكل محبة.. بكل شغف

عانقتْ راية عُمان

كفن جسدك المعطر

بروح وريحان

برجفة قلب، ويد

بقي العابرون

كطير ذبيح في صحراء

لا ماء فيها

يرتلون الدّعاء

كمياه تنساب

أكثر حنينًا إلى العطاء

(16)

أيّها الزّمن

أعد تلك الوردة الجميلة

التي ودّعناها، ورحلت

إلى ترابك...

أعدها إلينا برونقها

كي نشتم عبق عبيرها

ونحمد العقبى

بتراتيل التّسامح، والسّلام

(17)

غيابك الأشد وجعًا

كشجرة موت وارفة

كعجوز ترتجف

تساق نحو موت عميق

طريقه بكاء مرّ

(18)

شجرة الحياة الملونة

تأخذني إليك

أبصرتُ قلقك الأقسى

لامستُ قلبك الأشهى

وأنتَ في طريقك إلى الموت

لكنني لم أرَ وجهك الحزين

رأيتُ وجهًا مبتسمًا كملاك الطهر

كطفل بريء حامل للراية

يأتي بأمل جديد

فانساب الماء عذبًا زلالًا

في شجرة القلب

فتشرق الأرض

كزهرة عشقتها فراشة

وصحتْ من جديد

 (19)

حتى الصّبح

عاد كئيبًا، موحشًا

كأشجار السّدر الجافة الصّفراء

تنادي المارين، والغائبين

لتشرق الطّفولة بأحلامها

عند الرّوابي، وفوق التّلال

بنهار جديد، وشمس مشرقة

فتزحف الأمنيات إلى القلب

مع وعد، وعهد جديد

(20)

حتى الليل

غدا مستوحشُا، متوجعًا

في بركة من الحزن العميق

تزحف به النّار

إلى غلال الحداد

غير أنّ جمالك الوضيء

أبهر القمر

كحادٍ ضل الطّريق

تصحبه النّوارس البيضاء

قطف وردة حب أخرى

قدّمها هدية لنا..

من سلالة الصّناديد

حتى لا نعود غرباء

ونبقى في خريف أبدي

 

في الختام

اطمئن أيّها الأب، أيّها الحب

وأنت في غفوتك السّرمدية

لقد أيقظنا صوت الوطن

أيقظ فينا الهمة، والعزم

ومواصلة درب العطاء

كوردة بللها الدّمع

على قارعة الطّريق

فأفاقت بحلم جديد