قصَّة قصيرة جدا

سيرة الفشل

 

د. موسى رَحُوم عبَّاس | الرياض

 

            أحببتُ الموسيقى، وأدمنتُ الاستماعَ للكلاسيكي منها، باخ، موزارت، تشايكوفسكي...، أبكي أحيانا مع تغير الحركة، أرقص مع دخول الطُّبول والآلات النُّحاسية بإشارة مقتضبة من قائد الأوركسترا الصارم، وقرَّرْتُ تعلُّمَ العزف على الكمان، احتضانها وملامستها للعنق والضَّغط عليها بأسفل الذَّقن، كان يشعرني بكلِّ الحنان الذي أفتقده في حياتي، وأنا القادمُ من عمق الرِّيف والصَّحراء من كلِّ ذلك الجفافِ إلى حمصَ المدينة الجميلة،  شهران وأنا أحمل آلتي في علبتها السَّوداء، همس لي زيد آغا المدرِّب : بُنَيَّ، ابحث عن آلة أخرى، أو تعلم كرة القدم.

 للفشلِ جمالُهُ أيضا، هكذا أرى، بدأت أعيش حالةَ الموسيقي المعتزلِ، وعلَّقتُ الكمانَ على الجدار في غرفة المكتبة كأيقونة، صحيحٌ أنَّني مازلتُ أمارسُ  طقوسيَ المعتادةَ عاشقا لموسيقا موزارت، إلا أنَّها أصبحت خلفيةً، موسيقا تصويرية لحياتي، وكتبتُ على إيقاعاتها وحركاتها أولى رسائل الحبِّ لتلك الفتاة التي تكبرني بسنواتٍ عديدةٍ، ولم أنسَ تضمينها أشعار نزار قبَّاني، و"قالت لي السمراءُ" و"الرَّسمُ بالكلمات"... انتظرت ليومين طويلين، فجاءني الردُّ شفويا ومباشرا:

- كم عمرك حبيبي ؟

- 17 سنة

- يمكنك اللعب مع إخواني الصِّغار، مرحبا بك بأيِّ وقتٍ!

وما زلتُ مصرا على أنَّ للفشلِ جماله، بدأت أستثمرُ مهاراتي في كتابة الرَّسائل الغرامية المأجورة للأصدقاء والجيران الفاشلين لغويا وأدبيا!

     عندما كبر رصيدي من الفشل، قررتُ استثمارَهُ في السِّياسةِ، رغم أنَّني كنتُ أفكِّر بالرِّياضة لكِنْ منعني من التَّجربةِ جسدٌ نَحِيلٌ وعِلَلٌ كثيرةٌ، اللعبُ في السِّياسة لا يحتاجُ لجسد رياضي، وعندها أيقنتُ من صِحَّةِ نظريتي عن جَمَاليات الفشلِ، فلديَّ تاريخٌ مشرِّفٌ فيه، وهأنذا أسرحُ، وأمرحُ، صوري تغطي نصف جدران المدينة، والمجلس البلدي لقريتي يقرر وضع تمثال لي بالطول الكامل في فم المدينة على البحر، وأسافر إلى معظم عواصم العالم بالدرجة الأولى، وألقي الخطب المؤثرة في مؤتمرات الحزب، والآن، أعتذرُ منكم فأنا مضطرٌ لعدم إكمال القصَّة، فلدي مقابلة تلفزيونية لبرنامج " قِصَصُ نجاحٍ مُلْهِمةٌ"

 

تعليق عبر الفيس بوك