عُمان وكفاح الإنسان

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

مُنذ أن تواجد الإنسان على أرض عُمان، وهو يكافح الحياة من أجل التفاعل مع البيئة العُمانية، يعمل من أن يصنع ذاته ويبني حضارته، ضارباً في جذور الصخور، محطماً لأقوى الأمواج، وعابراً لكافة الصحاري العُمانية، هكذا كان الإنسان يعمل من أجل أن يرسم ملحمة واعدة من العطاء والبناء، في كل مرحلة من مراحل التطور كان يصنع الحضارة التي تتناسب مع حياته وقدراته، ويسجل تاريخ إنجازاته من أجل الأجيال القادمة، التي ينبغي عليها أن تعي وتعرف ماذا كان يفعل الإنسان على هذه الأرض، وكيف كانت حياته؟ فأثبت ذلك التاريخ قوة العلاقة والارتباط بين الإنسان والأرض؛ ذلك الارتباط الذي ظل ينمو عابراً عتبات الزمن ويتطور باستمرار حتى وصل للعصر الحديث.

تاريخ عظيم سُجِّل على صخور الجبال، يحكي قصة الصمود والكفاح والحياة، يعود إلى أكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد؛ حيث كانت الحياة قائمة على التفاعل مع الطبيعة ومكوناتها، فلم تكن تلك الحياة سهلة المراس، وإنما كانت صعبة عاشها الإنسان بين كل أجزائها، فستكشف أرضيها وسهولها وجبالها وبحارها، وصنع الأدوات التي تتناسب مع كل مكوناتها، حتى يستطع أن يتعايش مع كل الظروف الطبيعية والبشرية؛ لذا فقد أراد ذلك الإنسان أن يُسجل لنا تاريخه فرسمه على الصخور ونقش أحداثًا كثيرة من ذلك التاريخ، كان يريد أن يُخبرنا أن الصعاب والأهوال لم توقفه عن مسيرة حياته، فهو كان البداية ومعه تطورت وظهرت الحياة وتكيف معها، وإنشاء حضارته في كل أجزائها، فلم يترك مكانا إلا وسجل فيه حضوره؛ لذا عبرنا تلك المرحلة في حياة كانت صعبة وقاحلة، ومنها عبر الإنسان وتطورت ممارساته وأدواته، لكنه لم يكتفي بتسجيل تاريخه، بل كان يفتخر بصناعته المختلفة، فأراد أن يتركها لنا، ليرسل لنا رسالة عبر التاريخ، أن الحياة قائمة على الإنتاج والفكر والإبداع، بدون ذلك فأنتم لن تغيروا شيئا، هكذا كان يريد أن يرسل لنا جزءًا من تاريخه، حتى نتعلم، وربما علينا أن ندرك كيف نقرأ التاريخ جيداً؛ فهو ليس مصدر الفخر والاعتزاز فحسب، وإنما مصدر للتعلم والفهم وصناعة الإرادة.

كلُّ مرحلة من مراحل الإنسان العماني كانت للإنجاز والعطاء والعمل والكفاح؛ فعندما شعر بصعوبة الحياة على سطح الأرض، قام بشق الجبال في أعماقها واستخرج المياه، فصنع الأفلاج التي ظلت تشق طريقها إلى يومنا هذا، وعندما شعر بخطورة الأعداء أقام القلاع والحصون والأبراج في معظم أرجاء هذا الوطن، فدافع عن وطنه وضحى بحياته من أجل أن يحافظ على هذه الأرض، أثبت أن العلاقة بين الأرض والإنسان لا يمكن أن تنفصل، وأن الإنسان راحل عنها لكنه يريد أن تبقى الأرض شامخة عبر الأزمنة، بقيت الأرض واستمرت الحياة وتغيرت معها العصور والأزمنة، وكانت الحضارة عنوانًا لهذه الأرض ونتاج عمل من الإنسان العماني، الذي استمر في بناء نهضته وحضارته فكان الإنتاج في مختلف الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأدبية والعلمية، لم يكتفِ العماني بذل، بل ارتبط بعلاقات مختلفة مع شعوب العالم، فوصل إلى الصين شرقاً، وإلى أقصى القارة الإفريقية جنوباً وعبر أوساطها ونشر السلام والإسلام والحضارة، وعندما ظهر العالم الحديث كان هو أول الواصلين إلى هناك يحمل معه رسالة السلام والتسامح، لذا نحن اليوم نفتخر بذلك التاريخ ونفتخر بهذا الحاضر الني نتعايش معه.

عبرنا تلك المرحلة إلى مرحلة أخرى من الكفاح والصراع مع الأطماع والأعداء؛ فجمال هذه الأرض وخيراتها ومكانها وموقعها كانت تحت عيون الطامعين والمترصدين لها، لذا تنجو هذه الأرض من الاحتلال على فترات متقطعة من الزمن، فكلما ضعف المواطن سال لعاب الطامعين والأعداء فأرسلوا زناديقهم إلى عُمان، فعندما احتل الفرس عمان في فترات مختلفة جاء مالك بن فهم من أقصى الجنوب ليحررها، وعندما جاء البرتغاليين إلى منطقة المحيط الهندي كانت عمان بالنسبة لهم الموقع الإستراتيجي الذي يتحكم في تجارة الشرق والغرب، فاحتلوا معظم سواحلها، إلا أنَّ ذلك الشاب ناصر بن مرشد وحد الصف العماني، وتمكن من طرد البرتغاليين، ومعه قادة اليعاربة الذين تابعوا طردهم من سواحل المحيط الهندي في شرق إفريقيا والهند والسواحل الخليجية؛ فعاد الفرس بعد ذلك عندما ضعفت الدولة، إلا أنَّ أحمد بن سعيد عاد من جديد ليؤسس دولة البوسعيد، ويطرد الفرس من عُمان، وبعدها ظهر سعيد بن سلطان مؤسس الإمبراطورية العُمانية في سواحل شرق أفريقيا، إلا أنَّ الصراعات الداخلية وضعف أركان الدولة، قلصت الدولة، إلا أنه لم يستمر طويلاً ففي العصر الحديث عندما عاشت عمان مرحلة من التراجع والتخلف والجهل، جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- مؤسس عمان الحديثة ليعيد لعمان مجدها وحضارتها التي نعيشها اليوم.

إنَّ هذا الامتداد التاريخي العماني يضعنا أمام ملحمة من العمل الوطني، تؤكد أهمية العلاقة بين الإنسان والأرض، والكفاح من أجل الحياة؛ لذا كانت عمان منبرا لصناعة الحضارة والإنتاج والفكر والابداع، واليوم علينا أن نكون صفًّا واحداً، نعمل ونجاهد ونضحي من أجل هذه الأرض؛ من أجل أن تكون عُمان رقماً صعباً وقويًّا على الأعداء، من أجل أن نحافظ على عهدنا الذي قدمناه لله والوطن والسلطان بأن نحافظ على عمان ونصون أرضها وجبالها وبحارها وصحاريها، وأن نعمل من أجل المصلحة الوطنية العليا مهما كانت التحديات والصعاب، فإننا نقف اليوم صفًّا واحداً نلبي النداء ونصون العهد ونظل صامدين تحت الراية العمانية.