أربع قصص قصيرة

 

عماد أبو زيد | مصر

 

  1. دموع "وسام"

لمدينتنا مَلمحٌ تاريخي، تمنحهُ لها محطة السكة الحديد بها. أذكر أنني كنتُ برفقة وسام ذات يوم، وقد اقتربنا منها، هالنا الأمر، ألفيناها كتلاً خرسانية، وكومات تراب. كل ما أذكرهُ أنهُ حدث ذلك بعد قيام السلطات بإجراء تغييرات في صفوف الوزراء والمحافظين، وأن المحافظ الجديد للإقليم تزامن وجوده مع أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل في الأراضي المحتلة، والذي منحهُ بوشW في ولايته الأولى للحُكم لقب"رجل السلام"، كما ترافق وجوده أيضًا مع بول بريمر الحاكم العسكري الأمريكي في العراق.

كانت البلاطات الحمراء لأسطح سقوف بنايات المحطة، ومظلاتها المتناثرة، تحمل نقوشًا غائرة، وزخارف بارزة. وسام يتحسس بأصابعهِ قطعة بلاطة مُتحسرًا:

- شايف الفراشة.

***

 

  1. خطيئة الحكومة

عقب التحدث عن الحكومة وخطاياها، يجرنا الحديث إلى مسألة أخرى، تشغل مساحةً لا بأس بها مـن أَصباحنا، ربما تتساوى مع ما تحتله الأولي من تفكيرنا؛ حيث يفضي بعضنا إلى بعض عن علاقاتنا الخاصة بالنسوان؛ ليكشف لنا النقاب رويدًا رويدًا عن نساء أخريات، يمضينَ في المسالك ذاتها، دون أن يعلم بأمرهن إلا قليل. المدهش أن أحدًا منا لم يُسمِّ أيًّا منهن عاهرة.

***

 

  1. فئرانُ السفينة

وبينما كل البنايات تتراءى كطائفة من المكعبات"الماكيت"، تتمائع في مرونة كأنها محمولة على كف ساحر أو مستها أيدي الشياطين.

يغدو الجميع فيها كأنهم أعواد ثقاب، لا حيلة لها داخل صناديق ورق. كل يشتعل في داخله، تندلع النيران من أعينهم الشاردة، يتوقون إلى سفينة نوح؛ لتنقذهم من هذه النوة العسرة.

كان عبد الرحيم يفكر في مشكلته، وهو يجلس إلى الشطرنج، يَصفُّ قطعه، يتصوّر أن خصمه الفيل الأسود يشرئب ملوحًا برأسه، وربما مُنذرًا، مُعلنًا عن تأهبه للبطش به.

يبتغي أن يتفاداه، وشبح السقوط تحت أقدامه لا يبرح مخيلته، ما إن يفكر في أية محاولة للهروب من هذا المأزق، إلا ويجد نفسه مشلول الحركة، أمام صهيل الحصان، الذي يتقافز في مكانه، مُهددًا وجوده.

كوميض خاطف يعدو الجميع أمامه، يهيب أحدهم بِه أن يجري. يهرول مذعورًا آملاً اللحاق بهم، دون أن يعير اهتمامًا للملك، الذي لم يخرج عن طوعه يومًا، و لم يثبت أنه قصر في خدمته من قبل، كما يعلن بعض العساكر تمردهم أيضًا، تاركين مواقعهم على رقعة الشطرنج، وأحلامهم بالترقي خلفهم.

***

 

  1. أطفالُ كينيا

تُرى نسرين مازالت تقول له:

- رأيتك في المنام تضمني إلى صدرك، بين شفتيك حلمة ثديي تذوب، تعتصرني، قضيبك يمرح في فرجي، أُغلقُ عليه، و (الحيطان) العالية تحرسنا.

كان التلفاز يبث صورًا لأطفال كينيا، لم تعد عظامهم مستترة بحشايا الأنسجة والجلد. وفي بلد آخر كانوا يئدون رغبة الجنس في الرجال؛ ليفزعوا للتخلص من أعضائهم الذكورية تِباعًا، والنساء تتباكى، ويسارعن بأكل نهودهن أيضًا.

في هذه الليلة يتذكر قول أمه:"ما حدش بيبات جعان". ينظر إلى صورتها، تحت زجاج مكتبه، يحادثها:

  • هل أخبرتك بحالي حين حَلتْ عليَّ الظلمة، وأنا في طريقي إلى كتيبتي في سيناء، لم يكن ثمة بصيص من ضوء، تاهتْ خطواتي في صحراواتها، كدتُ أن أهلك في حقول الألغام، غير أن السماء أرعدت وأبرقت؛ فنجوتُ، وبقيتُ جوعانَ، ترتعد أطرافي، أحتشد فيَّ. أُمي، لو كان معي ما آكله، ما كنت قربته.

تعليق عبر الفيس بوك