البحرين في عيدها الوطني

 

عبدالنبي الشعلة **

** كاتب بحريني

 

بدأت البحرين احتفالاتها بالعيد الوطني المجيد وذكرى تولي جلالة الملك المفدى مقاليد الحكم في البلاد، وكما يعلم ويدرك الجميع فإن احتفال الشعوب الواعية بمثل هذه المناسبة بالذات لا تتيح لهم الفرصة لمجرد التعبير عن فرحتهم وابتهاجهم واعتزازهم الوطني فحسب، بل إنهم يعتبرونها محطة للتوقف والتأمل والمراجعة والتقييم ورصد المنجزات والإخفاقات، إن وجدت، والعمل على التحفيز وشحذ الهمم والإعداد لتحديات ومتطلبات وفرص المرحلة اللاحقة.

 

ويحق للبحرين وقيادتها وشعبها ومحبيها أن يفخروا ويعتزوا بهذه الذكرى العطرة الغالية وفي هذه السنة بالتحديد التي تميزت وتكللت بإنجازات ونجاحات باهرة على الرغم من الصعوبات والتحديات.

فاحتفالات البحرين هذا العام امتازت بتجدد وترسخ ثقة الشعب البحريني بنفسه وبقيادته الرشيدة بعد أن تكللت الجهود الوطنية بتحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات التي كان آخرها فوز المنتخب البحريني بكأس دورة الخليج الرابعة والعشرين، بعد محاولات دامت لـ 49 عامًا، هذا النجاح وهذا الإنجاز لا يعني مجرد تحقيق فوز رياضي هام، فالرياضة كر وفر، يوم لك ويوم عليك، ولها روحها المميزة التي تفرح بالفوز وتتقبل الخسارة بصدر رحب، لكن هذا الفوز جاء ليحمل بين طياته الكثير من المعاني والدلالات والرسائل؛ انعكس أبرزها على حجم تفاعل البحرينيين جميعًا، في كل مدنهم وقراهم، ومن مكونات وأطياف المجتمع كافة مع هذا الحدث، في ترجمة واضحة لتألق روح الوحدة واللحمة الوطنية والتفاف الجميع دون استثناء حول قيادتهم الحكيمة وولائهم الراسخ للوطن وتراب الوطن وهواء الوطن وعلم الوطن؛ وهو أمر لم يكن مستغربًا أو شاذًا.

وقد تخلل هذا العام احتفالات وفعاليات استنهضنا فيها الذاكرة واستنشقنا من خلالها الذكرى العطرة للآباء والأجداد؛ فوقفنا لهم وقفة إكبار وإجلال وتقدير لعطائهم الثمين المتميز، وللأسس والقواعد الصلبة التي أرسوها، ولما أنجزوه من ريادة وسبق لهذا الوطن الغالي العزيز، في وقت شحت فيه الموارد وقصرت فيه المدارك لأهمية المبادرات والمشاريع التي أنجزوها، فكان الاحتفال بمرور مئة عام على بدء التعليم، ومئة عام على تأسيس الشرطة، ومئة عام على تدشين الخدمات المصرفية وغيرها؛ هذه الإنجازات ما كان لها أن تتحقق لولا وجود قيادة واعية مستنيرة منذ ذلك الوقت وشعب مخلص متكاتف وملتف حول قيادته.

وبما أنجزه وحققه الآباء والأجداد فقد وضعوا حول أعناقنا أمانة مقدسة غالية وهي المحافظة على هذا الوطن الغالي الجميل وانجازاته، وعلى سلامته واستقراره، والسعي الجاد لنموه ورفعته، والدفاع عنه بالدماء والمهج والأرواح، كما أنهم سلموا لنا راية ناصعة خفاقة يتوجب علينا صونها ورعايتها والمحافظة عليها ومن ثم نقوم بدورنا بتسليمها لجيل الأبناء والأحفاد.

إن هذا الوطن الحبيب يقع في وسط محيط من الأمواج المتلاطمة في منطقة ظلت تموج وتمور بالأزمات والصراعات ما أدى إلى تضاعف وتضخم حجم التحديات والصعوبات بما فيها التحديات الأمنية والصعوبات المالية، وإن نجاح البحرين في تثبيت دعائم الأمن والاستقرار في ربوعها خلال هذه الفترة يعتبر دون شك من بين أهم الإنجازات التي تم تحقيقها، إلى درجة أن أصبحت البحرين من أكثر الدول في العالم انخفاضًا في مستوى الجريمة، فمن دون الأمن والأمان لا يمكن تحقيق أي إنجاز ولا يمكن التفكير في المستقبل ولا يمكن للورد أن يتفتح أو للسعادة أن تدخل أي بيت.

إلى جانب ذلك فقد تمكنت الحكومة الموقرة من الاستمرار في تنفيذ برامج التنمية ومشاريع البنية التحتية مثل مشاريع الإسكان، وتشييد الجسور والشوارع، وتوسعة المطار الذي شارف على الانتهاء وغيرها.

وقبل أيام فقط، وتحت رعاية جلالة الملك المفدى، وضمن احتفالات البلاد بعيدها الوطني، احتُفِلَ ببدء الإنتاج لخط الإنتاج السادس بشركة "ألبا" الذي رفع انتاج البحرين من الألومنيوم لأكثر من مليون ونصف مليون طن في السنة، وبذلك يصبح مشروع (ألبا) أكبر مصهر في العالم لإنتاج الألومنيوم وكواحد من أكبر الإنجازات الاقتصادي والتنموية في البلاد، وقد تم إنجاز مشروع الخط السادس قبل الموعد المحدد له، وبتكلفة أقل من التكلفة المقدرة من قبل، والتي كانت تبلغ 3.5 مليار دولار.

كما تمكنت الحكومة أيضًا من الاستمرار في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين دون أي انقطاع أو إرباك مثل الكهرباء والماء وضمان توفر المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات الأساسية للمواطن.

وقد يقول قائل بأن التزام الدولة بضمان واستمرار توفر مثل هذه الاحتياجات والخدمات إنما يقع ضمن اختصاصها والتزاماتها ومسؤولياتها الأولية كحكومة، ولا تعتبر من الإنجازات المميزة أو الخارقة، إلا أن هذا القول أو هذا المنطق رغم صحته ورجاحته يُصاب بالعوار والخلل والقصور عندما نرى دول عربية أخرى حولنا تمتلك موارد وإمكانيات أكبر مما نملكه عجزت عن توفير مثل هذه المتطلبات لشعوبها التي أصبحت تعاني من شج المياه الصالحة للشرب وانقطاع منتظم للكهرباء وتراكم للمخلفات والقمامة في الشوارع وتدهور في مستوى الخدمات الصحية ومرافق التعليم وما شابه، إن المسألة متعلقة بالإخلاص والأمانة في تأدية الواجب وبمستوى الكفاءات والقدرات الإدارية والقيادية.

لقد تمكنا من تخطي واجتياز امتحانات صعبة؛ وفي وسط الأعاصير لم يكن الإبحار سهل ولم تكن الرحلة هينة أو مريحة أو خالية من التضحيات، ولم تكن كل الطرقات خالية من المطبات أو مفروشة بالزهور والرياحين، إلا أن مقدرة وكفاءة وحنكة الربان وطاقمه مكنت السفينة من الاستمرار في الإبحار بثقة وبأمن وسلام.

 

فتحية إلى البحرين أرضًا وقيادة وحكومة وشعبًا في عيدها الوطني المجيد، وتحية إلى مليكنا المفدى وإلى رئيس وزرائه الموقر وإلى ولي عهده الأمين الذين بذلوا ويبذلون كل الجهد ويعملون على مدار الساعة دون كلل أو ملل من أجل رفعة هذا الوطن وشعبه.

ولننتهز هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا لندعو إلى الاستمرار في التأكيد على العهد والبيعة والولاء لوطننا الغالي وقيادته الرشيدة، وإلى ترسيخ قيم الانتماء وروح المواطنة، وزرع المحبة والمودة والثقة بيننا، ودعم جسور التواصل ووشائج الأخوة، وأن نعمل بكل إخلاص على تثبيت أقدامنا وشحذ هممنا واستشراف المستقبل بكل ثقة وتفاؤل وإيمان بقدراتنا، وأن نتصدى لكل أشكال العنف والإرهاب ومحاولات التفرقة وشق الصف، وأن نحافظ بكل قوة وإصرار على لحمتنا ووحدتنا الوطنية.

ونحذر من أعدائنا الذين لا يتمنون ولا يحبون لنا سوى الفتنة والانشقاق.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة