جرائم تُرتكب باسم "الحرية والديمقراطية"

صالح البلوشي

ما حدث في ساحة "الوثبة" في العاصمة العراقية بغداد قبل عدة أيام يكاد لا يُصدقه العقل، ومهما كانت ذرائع جريمة القتل البشعة التي ارتُكبت بحق شاب صغير عمره 16 عامًا فقط، فكيف نتصور جماهير تتظاهر منذ عدة أشهر اعتراضًا على الفساد وغياب القانون أن تقوم بإحراق منزل هذا الشاب بقنابل المولوتوف، ثم قتله وسحله بأبشع صورة ثم تعليقه على عمود إشارة مرور في ساحة «الوثبة»؟!.

كيف لتلك الجموع الحاشدة أن تتلذذ بهذا المنظر البشع وترقص وتغني وتلتقط معه صور "سيلفي"؟ هل هؤلاء يُؤمنون فعلاً بالعدالة والديمقراطية ودولة القانون؟! هذه الشعارات التي خرجوا واعتصموا من أجلها، كيف تستطيع هذه الجموع أن تُقنع ملايين المُشاهدين في العالم -شاهدوا بأعينهم تلك المشاهد المقززة التي تداولتها مُختلف وسائل الإعلام العالمية بالصوت والصورة-بأنهم معتصمون من أجل الحرية والقضاء على الفساد؟!.

 

أقول ذلك رغم أنَّ الساحة العراقية شهدت خلال فترة المظاهرات كثيراً من الأعمال التخريبية والجرائم الوحشية التي يندى لها جبين الإنسانية من جميع الأطراف دون استثناء، ولكن من يُنادي مطالبا بالعدالة والديمقراطية لا يمكن أن يمارس فعلاً إجراميًا كالذي حدث في منطقة "الوثبة"، ولا يمكن أن يُهاجم القنصليات ويحرقها كما شاهدنا ذلك في "النجف".

هذه الجرائم التي ترتكب باسم المُطالبة بالحرية والديمقراطية أعادت بي الذاكرة قليلاً إلى الوراء، وتحديدا في شهر أكتوبر من سنة 2011م، لحظة إلقاء القبض على الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي من قبل "ثوار ليبيا" الذين خرجوا أيضًا بحماية "الناتو" ومُباركة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والجامعة العربية من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، لكن هؤلاء "الثوار" بدلاً من القبض على الزعيم الراحل وتقديمه إلى المحاكمة حتى يقدموا للعالم صورة مشرقة عن عهدهم الجديد، قاموا بممارسة أقسى أنواع التعذيب بحقه وقتله بصورة بشعة لا يمكن تصورها، ووثقوا جريمتهم بتصويرها وتوزيعها في العالم، حتى تستفيد شعوب العالم من هذه التجربة الديمقراطية الوليدة التي لم تجلب لليبيا سوى الويل والخراب والدمار حتى كتابة هذه السطور.

وإذا تركنا ليبيا جانبًا واتجهنا إلى سوريا، فإنها أيضاً لم تسلم من عبث المُجرمين والمتآمرين الذين انهالوا عليها بالسهام المسمومة تحت الشعارات البراقة الكاذبة، وأثبتت الأحداث أنَّ ما تسمى بـ "المعارضة السورية" لم تكن في الحقيقة سوى أدوات خبيثة بيد الولايات المُتحدة ودولة الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية التي عملت بكل جهدها وطاقتها من أجل تدمير هذا البلد ونهب خيراته.

وتحت شعارات «الحرية والعدالة والديمقراطية» شاهد العالم أقذر جرائم القتل والإبادة التي شارك فيها الجميع بدون استثناء، وتلذذوا جميعاً بمشهد الشعب السوري وهو يُقتل دون رحمة وبمختلف أصناف القتل والإجرام.

إنَّ ما حدث في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن في عام 2011، ثم ما حدث في السودان والعراق ولبنان وإيران، يؤكد أنَّ هذه الأحداث ليست بريئة من التدخلات الخارجية والأيدي المدسوسة، وأنها لا تهدف إلى حرية الشعوب وتحريرها من جلاديها؛ وإنما إلى العبث بأمنها القومي والفتك بشعوبها ووحدتها الوطنية وانتهاك كرامتها وتدمير تاريخها.