قراءات في اليوبيل الذهبي

د. شريفة بنت علي القاسمية *

قرائي الأعزاء.. سأحلُّ عليكم ضيفةً خفيفة الظل، وسأراود محطاتكم الفكرية فينة بعد الفينة؛ عل ما سأكتبه ينسكب ولو بجزءٍ قليل في جدول القراءات المحسوبة لها كحصان طروادة! ولا أخفيكم سرًّا بأنني أخفقت مراراً حتى أصل إلى هذه المرحلة من السمو الفكري -إن صح لي التعبير في ذلك- فليست دخول أغوار هويتاكم بالمحاولة السهلة؛ لذلك أخذت شهيقاً وزفيراً عميقاً حتى أضع بنات أفكاري على عمودٍ في جريدة بقامة جريدة "الرؤية".

تراءى لي أن أكتب في الاتجاه العمودي بدلاً من الاتجاهات الأفقية المعهودة، فنحن شرقيو الفكر، غربيو التعبير، وشماليو التصوير.. فلَم نَعد نملك سوى تلك المُعِدَّة التي تسمى بـ"السوشيال ميديا" المختلطة بالألون والرموز والاتجاهات، والتي نلقي عليها أحلامنا وأطيافَنا ومكتسباتنا، وما اغرورقت به أعيننا أو حتى بما قد تجود به أقلامنا المفعمة بكل ما تحتويه الكلمة من معنى. فتارةً ينشأ ذلك القصيد المتغني بأحلام الوطن، وتارةً يزرع تؤداتٍ شتى وتاراتٍ وتارات.. والقول صدقاً، حاولت الالتحاق بذلك الركب المتسارع حيناً، والمتهاوي حيناً آخر، أو مجاراته في ذلك التطور، ولكن بدا الأمر غريبًا عليَّ كامرأةٍ تقليدية الفكر مع أنني لست بالخمسينية حتى "تشحط" مني هذه المَلَكَة؛ ففقدت أداة التواصل، خيفةَ أن يختلط اسمي بذلك الغثاء المسمى "بالنابل" قبل "الحابل". التمسوا لي العذر في اقتحام خَصائصكم الفكرية، فلدينا الكثير لنقرأه في مستجدات القرن، وما حَواه رُبعَيْه القَبْلي والبَعديَ بما نستطيع أن نسميه كعمانيي الهوية بـ"اليوبيل الذهبي".

اسمحوا لي أن أستبقَ الزمان، وأن أتّخذَ شراع "جوهرة مسقط" وجهتي إليكم، فليكن عزمنا قويًّا وطرحنا عموديًّا متوازنًا حتى لا يسلب منا ذلكَ الترقُّب. أعزائي القرَّاء وبعيداً عن الفلسفة والتفلسف سنجعل هذا العمود وجبةً غنيةً علها تشبع ذلكَ الأرقَ فينا، وتوقظ تلك الآمال المتأرجحة بين جنبات كراسي الأمل.

فنحن يا سادة على مشارف اكتمال ذلك البدر، لنتحول إلى تلك الماسة النادرة من حقبة فريدة في تاريخ سلطنتنا المجيدة؛ فسوف يكتمل يوبيلها الذهبي بعد عام، وسَتشرق أنوارٌ شتى، وسيعود بنا ذلك الزمن لنسبر أعماقنا ونقول: هل استطعنا كعمانيين خاضوا بحاراً وقادوا معارك وامتلكوا إمبراطوريةً عظمى، أن نحافظ على مقدراتنا من ذلك الزخم الثائر من التطور؟

سنتوارى تحتَ الظل قليلاً، ونروي حكايةً سردتها جميع الأيقونات المتجددة والمتحدثة؛ فهي لم تترك مثلثًا في زاوية إلا واستحضرته، ولم تترك ناياً عاجيًّا إلا وتغنت به؛ إنها الألفية وما جاء تحتها من أهدافٍ إنمائية لهذه الألفية. وهنا سأبدأ بقطع ذلك الوتر الحسي في الكتابة اللاشعورية، وأستجد ممتثلة بما يُعرف بالكتابة "المكتبية" أو الرسمية؛ فعلى قدر زَخم المنجَزات تأتي احتفالية الكلمات لتدون تواؤم أهداف الألفية مع منجزات نهضتنا العمانية. لذلك؛ سنقف حيث وقفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم المسماة بـ"اليونسكو"؛ فنشوء هذه الوكالة في منتصف القرن الماضي، وفي تلك العاصمة الحالمة بكل ما تزخر به من فن وثقافة وتراث، رسمَ ذلك الحراك الثقافيّ والفكري، لتخطو تلك المنظمة أثيرها الفكري وتتصدى لأهدافها الطموحة والشامخة. ومن أجل تنميةٍ مستدامةٍ، فقد بنت اليونسكو أهدافها على أثر نجاح أهداف التنمية المستدامة لألفية الأمم المتحدة. وللتبسيط، فقد دخلَ مفهوم "التنمية المستدامة" في هذا القرن رغم تجَذُّره المتأصل في العلوم البيئية والجغرافية، إلا أن التعريفات لهذا المفهوم تعدَّدت حتى أصبحنا لا نعي أيُّهم الأنسب والأجدر رغم الإصرار الحاصل على التوعية حول هذا المفهوم. وحتى لا أشقَّ عليكم بغبار الكلمات التصاعدية والمحلقة، سأكتفي بتعريفه حتى يبدأ كل من يستفهم عن هذا المفهوم القديم الحديث باستيعاب ماهيته. واختصاراً للقول: فالتنمويونَ يرون أنه عملية "تطوير للمدن والمجتمعات" بكل المجالات، ويؤمنون بأهمية أن "تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس/الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها"؛ وهذا ما جادت به عملاقة الحقائق المعلوماتية "ويكيبيديا"؛ وكما جاء في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بالبيئة والتنمية 1987م. وهنا لا بد أن نقف عندَ آخر نقطةٍ لنقول إن الحكاية لم تبدأ بعد، بل ستأخذ المقالات شَكلاً شطريًّا لكل هدف وكيف تواءمت منجزات النهضة مع هذه الأهداف الإنمائية السبعةَ عشر. وكيفَ حقّقَ واقع السلطنة أهدافَ التنمية المستدامة 2030؟

 

* خبيرة بوزارة التعليم العالي