حاجة فرنسا للجنوب الليبي

فوزي عمار *

* كاتب ليبي

 

 

لم يعد خفيا أنّ فرنسا في حاجة إلى الجنوب الليبي، فمن يسيطر على الجنوب الليبي يسيطر على إمدادات الإرهاب في النيجر ومالي من مال ومعدات ومقاتلين توفره القارة الليبية لهذه العصابات الإجرامية. ومنذ تاريخ بعيد وهذا ما أكده في كتابه "رحلة الى الكُفرة" الرحالة الألماني والكاتب قيرهارد رولفس وهو يشرح الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك التي تحظى بها ليبيا بالنسبة لإفريقيا جنوب الصحراء بعد زيارته لها سنة 1878. يقول قيرهارد إنّ ليبيا لديها ثلاثة ممرات إلى إفريقيا عبر السودان و(السودان الفرنسي) وهو الاسم الذي كان يطلق على تشاد والنيجر ومالي وهي الطريق الأولى طرابلس غدامس غات والثانية الجفرة سبها مرزق والثالتة بنغازي الكفرة.

وهي الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي تمتلك وصولية Accessibility إلى إفريقيا، ويمتاز شعبها باحترام كبير لدى الأفارقة عبر التاريخ. وبلا شك أنّ من يحارب الإرهاب في الجنوب الليبي اليوم أصبح يشكل لفرنسا حليفا استراتيجيا؛ ففرنسا تستورد أربع آلاف طن يورانيوم سنويًا من النيجر، وشبكة كهرباء فرنسا تتغذى على اليورانيوم المنتج في النيجر والذي ينتج 70% من إجمالي إنتاج فرنسا من الكهرباء.

النيجر ومالي التي تنتشر فيها القاعدة وداعش أصبحتا تهددان ليس أمن فرنسا فقط بل أيضا تنميتها ودخلها، وفرنسا بدون إمداد اليورانيوم ستتوقف شبكتها الكهربائية وتتحول لدولة أشبه بإحدى مستعمراتها الإفريقية فلا صناعة ولا صحة وحياة بدون كهرباء.

لقد شاهدنا تصاعدًا في أعمال الإرهاب مؤخرا بسقوط طائرة بها 13 عنصرا من الجيش الفرنسي في مالي. وهذا يفسر أيضا تراجع الاستثمارات الفرنسية في هذه الدول وخسارة المليارات التي ذهبت معظمها لشركات صينية منافسة لفرنسا.

لقد ظهر واضحا انزعاج الرئيس الفرنسي ماكرو من حلف الناتو الذي يبدو أنه فشل في مساعدة فرنسا في محاربة الإرهاب في مالي والنيجر، واليوم تعقد قمة لدول الناتو في لندن حرص الرئيس الفرنسي ماكرو على حضورها فهو يشعر أنّ فرنسا قد تُركت لوحدها في محاربة الإرهاب في النيجر ومالي لتدافع عن فروة رأسها وعن شبكة كهربائها وسط شماتة أمريكية؛ أمريكا التي ترى أنّ اليورو عدو لعملتها الدولار وتتطلع لشراكة مع الصين بدلا من أوربا العجوز.. إنّها أمريكا التي شجعت الحليفة بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوربي في مشروع الـ Brexit وقبلها عدم اندماج بريطانيا في عملة اليورو.

الصين التي تبدو أنّها غير مستعجلة على شراكة مع أمريكا وهي تتقدم نحو المركز الأول في العالم للنمو الاقتصادي قريبا وتعتبر إفريقيا أحد أهم مراكز اهتمامها اقتصاديا ومنافسها الأكبر هو فرنسا التي تحتاج للجنوب الليبي الآن بدون أدنى شك.

إنّ العالم يتجه لمصير مجهول ولتشكل النظام العالمي الجديد الذي لم تتضح معالمه بعد، فقد يسقط دولا كانت كبرى ويرفع دولا صغرى لمصاف كبار الأمم.