عزيزتي آيلّا

 

فتحي إسماعيل | مصر

 

(1)

صباح الخير.. آيلّا العزيزة.

بالأمس لمستك، رأيتك،

سهرنا حتى مطلع الفجر، صلّينا سويًا..

وسرنا على آثار قبلات السماء للأرض..

كانت الطرقات متوهجة بالضيّ..

لا أدري احتفاءً بنا أم سعادة بالريّ..

رقصنا مولوية على نشيد يأتي من بعيد..

لم نكن نتبين مخارج كلماته..

ولكننا كنا نهتز على موسيقاه..

هكذا أنا منذ عرفتك، عاقرت الآحلام..

وعشقت الأولياء..

ولم تعد تثملني سوى كلماتك، ودنو أنفاسك من بدني المتحرّق شوقا إليك.

نسيت أن أخبرك أني خجلت أن أخرج زجاجة البيرة من حقيبيتي، فقد كان الصباح يرشق الليل بسهام..

لا تقل ضرواة عن سهامك المرشوقة في كبدي..

كوني بخير..

وأنا.. لن أكون بخير إلا بك.

 

(2)

عزيزتي آيلا.. مساء الخير

وجدتك فَسمَتْ روحي لما فوق رغبات واحتياجات ونزعات البشر،

رأيت فيك مِنحة إلهية.. اختصني بها كما يختص الأنبياء،

فأمعنت في الامتنان.

وجدت معك ما لا ألاقيه إلا في نوادر الصلوات،

فاحتملت عزائم الأمور...

للبعض يا صديقتي أقدار لم يخترها،

والمحبة الكبيرة تعني عناءً أكبر..

أما هؤلاء المتنعمون بالحياة؛ فلم يعرفوا الحب.

 

(3)

مساء الخير آيلّا العزيزة....

في هدأةِ ليلٍ يخلو من وجوه الروّاد، أكتب إليكِ..

نعم الروّاد...!

الكثيرون يتحدثون عن الصداقة، تلك الأيقونة التي يحافظون عليها بالكاد، على عشم أن يخرجونها ذات ذكرى على مقهي، وهم يمصمصون الشفاه على أفول الزمن الجميل..

المأفونون (جميعهم لا أستثني أحدًا) ألا يدركون أن (الآن) زمنٌ خام..

(الآن) عجينة طرية، كانوا ليصنعون منها زمنًا يروق الله وأنفسهم،

لكنهم يا صديقتي مأفونون، كذبة، منافقون،

لذا... كل أزمنتهم عبث وخرائب حطام علاقات متروكة على رفوف الرغبة والأنَفة والغرور والغباء.

أما أنا يا صديقتي فسأنظر للنصف الملآن من الكوب،

فأنا حديقة مهجورة يرتادها بين الحين والحين وحيدٌ، فَقَدَ صديقًا على الطريق.

وأنتِ كوكبي الذي نَمَتْ على ريّ حضورك ورداتي،

ونهري الذي يُسرّي عن طيوري الهاجعات، ويغوي الفراشات بنور وجهك المنعكس على صفحته.

دمتِ لي نورً وكونًا.. وكينونة.

 

(4)

عزيزتي آيلّا.. صباح الخير.

كيف حالك وأزمنة الإفك تفتك بأرض الصادقين،

أرض الصادقين رغم خصوبتها..

لا تنبت غير زهور الصبر..

وآهات انتظارات لا تخفت صوتها السنين..

ولا تشفيها تراتيل مواساة العابرين.

انظري أثناء إعداد أكواب القهوة التي أعدها أثناء انتظارك،

وأذكرك بيني وبين نفسي.. أرتشفها على هيل سيرتك..

حبات السكّر المتساقطة مني؛ خلّفت صورة لقلبي شبيهة تماما به..

أبيض لا يعلوه في محبتك قلب، ولا يقربه في وجودك غيرك.

 

(5)

عزيزتي آيلّا.. صباح الخير..

الناس يا صديقتي يتغيرون يكبرون... يصغرون...

يضمحل بقاؤهم، يتغيرون،

حتى أبطال وبطلات الروايات....

يتغير شكلهم مع نضج عقولنا وقراءتنا أكثر وأكثر إلا أنت...

ما زلتِ على جلالك نفسه ومكانتك لديّ،

أنت الباقي الذي احتمل جنوني،

وقد بات العالم قزما في مقلتيك

وأنت عملاق في مقلتي...

لا يتنفس الصبح إلا عبرك...

ولا تنتشي النجوم إلا حين تشرقين...

 

(6)

عزيزتي آيلّا.. صباح الخير..

يقف العالم فقيرًا لا يشبع جوع الأنا فينا..

هذا المخلوق فينا.. نحن،

عقولنا النهمة وأرواحنا النهمة وأجسادنا النهمة.

فاخترعنا الشرّ كي نملأ بعض ما فينا،

ونزلت الرسالات كي تشغلنا عن أنفسنا..

ولكن الضجيج يا صديقتي ما زال يحتل العالم،

فالتجأ الأغلبية لما اعتقدوه المنجى من محرقة النهم.

أما أنا فالتجأت إليك.. أرقب السماء من ثقوب روحك.

وآآآه لو يدرك العالم.. كم هي مليئة بالثقوب..

جعلتني أرى الكون منذ بدء الخليقة وإلى المفازات المفضية للخلود.

أنا الفاني فيك، وأنت الخالدة فيّ.

تعليق عبر الفيس بوك