الفساد (2 -2)

 

عبيدلي العبيدلي

وهناك الكثير من الصعوبات التي تكتنف محاولات الكشف عن مظاهر الفساد والعمليات المرتبطة بأنشطته المختلفة. ويعود ذلك، كما يقول باولو ماورو، نائب مدير؛ وباولو ميداس، نائب رئيس قسم؛ وجان-مارك فورنييه، اقتصادي، إلى ارتباط "جرائم الفساد الكبرى عادة بمشاريع معقدة ومكلفة مثل البناء ومعدات الدفاع. وبالمقارنة، من الصعب تلقي الرشاوى فيما يتعلق بأجور المعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية. ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يكون الإنفاق على التعليم والصحة أقل حيث يكون الفساد مرتفعا، ما يجعل تحسين إنتاجية العمالة ومستويات معيشتها أقل احتمالا. وبين البلدان منخفضة الدخل، تقل حصة الميزانية المخصصة للتعليم والصحة بمقدار الثلث في البلدان الأكثر فسادا".

لورا ألونسو، وهي السيدة التي عينها عين الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري رئيسا لمكتب مكافحة الفساد في الأرجنتين في العام 2015، ترى أنّه "من الضروري إشراك القطاع الخاص في ردع الفساد من خلال ممارسات العمل السليمة وتشجيع الشركات على الإبلاغ عن أي مخالفات حال وقوعها في إطار عمليات الشراء أو مفاوضات العقود في القطاع العام. وبالنسبة للتحالفات بين القطاعين العام والخاص".

وهناك العديد من الدول التي ينخر الفساد مؤسساتها الرسمية وعلى أعلى مستوى فيها. ومن بين تلك البلدان، على سبيل المثال لا الحصر، هناك الكيان الصهيوني، وقضية الفساد التي عرفت باسم "ملف 1000" وكان المشتبه فيها رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتانياهو، بقبوله "هدايا بقيمة 700 ألف شيكل (185 ألف يورو) من قبل شخصيات ثرية خصوصا المنتج أرنو ميلكان والملياردير الأسترالي جيمس باكر مقابل تسهيلات مالية أو شخصية." وكان رد نتنياهو أنّه "لم يفعل سوى قبول هدايا من أصدقاء من دون أن يكون طالب بها".

ويكلف الفساد الدول التي تعاني منه مبالغ باهظة، فعلى مستوى الشرق الأوسط، هناك التقرير الصادر في العام 2018، عن مؤسسة أرنست أند يونغ (E&Y) للاستشارات، والذي يفيد " أنّ إجمالي تكلفة الفساد والاحتيال في كبريات الشركات والمؤسسات المالية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط وصلت إلى 11 مليار دولار بنهاية العام 2017، بنمو نسبته 25% عن عام 2016... وأنه على الرغم من فرض الهيئات التنظيمية ووكالات إنفاذ القانون في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنّ مخاطر الفساد وعمليات الاحتيال لا تزال مرتفعة، حتى انعكست على أعمال كبريات المؤسسات والشركات المالية لتنخفض أرباحها إلى أكثر من 35% نهاية العام 2017، وأنّ 48% من المشاركين (في استطلاع قامت به المؤسسة وشارك فيه من منطقة الشرق الأوسط، أكدوا أنّ الاحتيال والفساد هما الخطر الأكبر على شركاتهم في الوقت الراهن، متوقعين ازدياد حالات الفساد في حال عدم تطبيق قوانين وعقوبات صارمة على المرتكبين". ويرد في التقرير " أنّ 42% من المديرين التنفيذيين المشاركين فيه من منطقة الشرق الأوسط يعتقدون بأنّ ممارسات الفساد لا تزال منتشرة على نطاق واسع في قطاع الأعمال التجارية".

وتذهب بعض التقديرات، التي تحاول أن تربط هيكليا بين "جهود مكافحة الفساد، وجهود الإصلاح السياسي، إلى القول إنه "يمكن أن يزيد الدخل القومي في الدول التي تنجح في مكافحة الفساد بنسبة 400%، كما يمكن أن تقل تكلفة الاستثمار بنسبة 20%".

وعلى المستوى الدولي، ولتوضيح حجم الخسائر التي يتكبدها العالم جراء استمرار تفشي الفساد فيه، ورد في مقالة نشرها موقع "الغد" الإلكتروني، تقدر "تكلفة الفساد على مستوى العالم بتريليون دولار سنويا، ولا تقتصر خطورة الفساد على التكلفة الباهظة التي تتحملها اقتصاديات العالم، بل الأخطر أن الدولة التي تعاني من زيادة معدلات الفساد تزداد التكلفة الاستثمارية بها بنحو 20 % ولذلك فإن وجود الدول في مرتبة متدنية بمؤشر مكافحة الفساد تعاني أيضًا من هروب الاستثمارات منها". وهناك بعض المصادر، مثل صندوق النقد الدولي، التي تقدر تلك الكلفة الدولية بحوالي 1.5 ترليون دولار سنويا، في صورة رشاوي.

مقارنات تقارير صندوق النقد الدولي بين "البلدان ذات مستويات الدخل المتقاربة، نجد أن أقل الحكومات فسادا تحصل إيرادات ضريبية تزيد بنسبة 4% من إجمالي الناتج المحلي على ما تحصله البلدان المناظرة التي بلغت أعلى مستويات الفساد".

وعلى مستوى البدان النامية وحدها، كشفت المستشارة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة الشفافية الدولية مروة فطافطة "عن أن تكلفة الفساد والرشوة والتهرب الضريبي في البلدان النامية تبلغ نحو 1.26 تريليون دولار سنويا".

وعلى مستوى كل دولة عربية، "أكّد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس شوقي الطبيب أن" قرابة ملياري دينار تونسي (حوالي مليار دولار) تستنزف من ميزانية الدولة نتيجة غياب الحوكمة والتصرف الرشيد في مؤسساتها".

أمّا على المستوى العربي العام، وكما تنقل تقارير العام 2019. تعترف "الإحصائيات صراحة أن كلفة الفساد في العالم العربي تبلغ 3 في المئة من الناتج المحلي، وتقدر بـ 90 مليار دولار سنويا. هذه الأموال (المسروقة)، التي تذهب لحسابات وجيوب زعماء ورجال أعمال، كان يمكن أن تجسر الفجوة الطبقية المتنامية في هذه البلدان، وتعالج مشكلتي الفقر والبطالة المتفاقمتان وتنذران بكوارث لا حدود لها... وأن توظيف هذه الأموال في العلمية التنموية يمكن أن يساهم إلى حد كبير في سد العجز المالي المتعلق بتمويلات سنوية بقيمة مائة مليار دولار هي ضرورية كل عام حتى حدود عام 2030 لإنجاح المسار التنموي في المنطقة العربية".

وهناك الكثير من الإجراءات والخطط التي من شأنها مكافحة الفساد أو الحد من تفشيه، ومحاربة مشروعات تحوله إلى ظاهرة مقبولة اجتماعيا، لعل الأبرز بينها هو، وكما تدعو العديد من تقارير المنظمات التي تحارب الفساد كظاهرة عالمية "بناء خدمة مدنية مهنية، استنادا إلى إجراءات شفافة وقائمة على الجدارة للتعيينات والأجور: فمن الضروري لرؤساء الهيئات والوزارات والمؤسسات العامة تشجيع السلوك الأخلاقي بتقديم قدوة واضحة على قمة الهرم الوظيفي. والاستثمار في رفع مستويات الشفافية والفحص الخارجي المستقل: فمن شأن هذا أن يسمح بتحقيق إشراف فعّال من أجهزة التدقيق ومن الجمهور بشكل عام".