أفكار اقتصادية مستدامة

 

 

فايزة الكلبانية

 

(1)

تحديات حقيقية تواجهنا في هذه المرحلة من مسيرة تقدمنا، والتحدي الاقتصادي يستحوذ على الجانب الأكبر من هذه التحديات، فبعد سنوات من تراجع أسعار النفط لمستويات قياسية، يتعين علينا أن نكون قد وصلنا إلى الحل الناجع الذي يضمن تحفيز القطاعات غير النفطية، لتنطلق وتساهم في نمو الاقتصاد الوطني، إذ تُشير الدراسات والتوقعات إلى أن أسعار النفط ستظل في حدود الـ60 دولارًا للبرميل حتى نهاية العام الجاري وخلال العام المقبل، ولن يعود سعر البرميل إلى ما كان عليه قبل سنوات، ولذا لابد من إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية وضرورة تحفيز القطاعات الاقتصادية غير النفطية، والتي وضعتها رؤية عمان 2040 ضمن أهدافها وبرامجها الطموحة.

 

(2)

نحن بحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة بين القطاعين الخاص والعام، حيث إنَّ على مؤسسات الدولة التركيز بشكل عام على تبسيط الإجراءات وتقليص البيروقراطية وجذب الاستثمارات وتحفيز رواد الأعمال وتشجيع العمل الحر والتوظيف الذاتي وغيرها من الجهود التي من شأنها أن تصب في صالح النمو الاقتصادي، وفي المقابل تتفرغ الدولة إلى مهمامها السيادية الممثلة في الأمن والدفاع والخارجية وتنظيم ومراقبة عمل المؤسسات في مختلف القطاعات. على مؤسسات الدولة المعنية أن تعزز جهود تمكين القطاع الخاص بما يضمن له ممارسة مسؤولياته بصورة ديناميكية وسريعة، بما يواكب إيقاع العصر والسوق وتجاوز البيروقراطية وإنها بطء الإجراءات وإزالة العراقيل التي تواجه المستثمرين ورجال الأعمال الراغبين بشدة في الإسهام في مسيرة النهضة الشاملة والمستدامة. ومن هنا يتمثل المطلب الأساسي في "تبسيط الإجراءات" وبما يُساعد على حل كثير من التحديات التي نواجهها، فمن خلاله سيتم حل قضية الباحثين عن عمل، والنمو الاقتصادي لارتباطهما ببعض، فلا يمكن أن نحل قضية الباحثين عن عمل إذا لم يتطور الاقتصاد وتنمو الشركات كما وكيفا، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف- أي نمو الشركات- لابد أن تتلمس هذه الشركات التفاعل الإيجابي من قبل الجهات التنفيذية والتي لا زال يشوبها الكثير من الإشكاليات في تعاملاتها مع القطاع الخاص.

 

 

(3)

 

إنَّ القطاعات الاقتصادية بمختلف مستوياتها مطالبة بالنمو والعمل على التطوير وتبدأ بأفكار ابتكارية في التنفيذ، فعندما ينفذ مشروع يكون فيه كثير من الاستدامة، والإبداع والجدوى الاقتصادية لاستدامة المشاريع، والسلطنة بمختلف مقوماتها لديها الكثير من الإبداع الابتكاري الذي يتطلب الاهتمام فيها والاستفادة من الفرص المتاحة، فكل القطاعات لابد أن تنمو متى ما توفرت البيئة التي ينشدها رجال الأعمال، كما لابد من الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للسلطنة في القطاع اللوجستي والسياحة، حيث إن السلطنة تمتلك موسمين سياحيين على مدار العام، موسم الشتاء في الشمال والخريف في الجنوب، فتحفيز الشباب والقطاع الخاص للعمل والاستثمار في القطاع السياحي والتسهيل لهم مطلب هام.

 

(4)

ثمة أفكار يمكن أن تسهم في تجسير الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، أولها مواصلة دعم وتحفيز ريادة الأعمال، وتشجيع الأفكار الابتكارية، وتهيئة بيئة الأعمال لمزيد من الإبداع والانطلاق نحو آفاق أرحب. فمثلا لماذا لا يتم إنشاء مصنع أو مختبر صغير لأمصال الكائنات السامة كالعقارب والأفاعي، بهدف تصدير منتجاتها إلى شركات الأدوية العالمية، لاسيما وأن البيئة العمانية البرية خصبة بمثل هذه الكائنات والتي يمكن أن تدر عائدات كبيرة.

أود أيضا أن أسلط الضوء على أهمية مشاريع التخصيص في التخفيف عن كاهل الحكومة الأعباء المالية والإدارية للمشاريع، من خلال إسنادها إلى القطاع الخاص، ومنحه الثقة الكافية التي تعينه على إنجاز المشاريع، والإسراع في اتخاذ خطوات بناءة تعزز من أداء القطاع  الخاص، مثل طرح الشركات الحكومية التي تتكبد خسائر، في سوق الأوراق المالية، كشركات مساهمة عامة، بما يضمن تطوير أدائها وتوفير سيولة للحكومة.

إن جميع فئات المجتمع مطالبون بطرح الأفكار التي يمكن من خلالها أن يسهم كل مواطن في مسيرة النهضة والبناء، فكما شارك آباؤنا في وضع اللبنات الأولى لمسيرة النهضة المباركة، علينا نحن جيل الشباب أن ندعم هذه المسيرة، من خلال الابتكار والإبداع والاجتهاد في العمل، والتحول نحو القطاع الخاص، الذي يمثل قاطرة التنمية الفاعلة، بعيدا عن انتظار الدعم الحكومي، ولنا في نماذج الشباب الذين حققوا منجزات في هذا المضمار العبرة والمثل.