يوسف عوض العازمي
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حالٍ لها شأن..
أبو البقاء الرندي الأندلسي.
قبل فترة أنجزت بحثا متواضعا عن قصيدة "في مدخل الحمراء" للشاعر نزار قباني، وكان البحث يركز على الربط التاريخي والأدبي في القصيدة، واللمحات التاريخية التي احتواها نص القصيدة، واللقطات الشعرية التي اجتاحتها مفردات الأدب الفارهة، في أبيات يلعب بها التاريخ مع الأدب في منازلة تمكن بها الشاعر القدير من بسط أدواته الشعرية على مفاصل التاريخ وقواعد الأدب الشعري المرهف ..
رمزية الشاعر تتكالب مع موزون شعره، حيث يرجع للأجداد، وفي توصيف بليغ يقرأ الأمجاد على الجدران، وكأنه يتوقف لمعاينة بصمة مازالت صامدة، ولا أعلم بالضبط ما الذي يستقصده الشاعر، هل رمز وجود الفتاة بتركة العرب الأندلسية، على اعتبار أنه تخيلها إحدى حفيداته، أم ذهب إلى كتب التاريخ ليقرأها مدونة على الجدران؟
ترى ما الذي يقصد؟
ثم يبدأ بالاستفهام والسؤال الحرج، ويمسح الجرح النازف الذي لم يحدد مكانه وزمانه وأظنه تركه لذهن وذكاء المتلقي، لكنه اعترف بوجود جرح ثانٍ بفؤاده، سأقف هنا عند لفظ "ثانٍ" ولماذا لم يكتب "آخر" هل ثمَّة تشابه في المعنى، مع أن الموزون الشعري لن يتأثر بأي لفظ من الاثنين، أم أنه ربط الجرحين ليوزعهما بعدالة الشعراء، جرح ترك تفسيره وتأويله للمتلقي، وجرح اعترف به!
ثم تبدأ العاطفة والرقة الشعرية لتتحدث بهدوء مؤلم، وكأنه يصارح أندلسيته السمراء بسر خافٍ، ويتلاعب بمفردات التاريخ والوراثة والجمال حينما وصف الأندلسية بوارثته، ويبدأ البيت بالتمني وكأنه يرجو وارثته بأن تفهم أن الذين تتحدث له عنهم من خلال عملها كمرشدة هم في الحقيقة أجداده، وأنه من نسل أولئك المعنيين، ثم تبدأ الصنعة الشعرية (وأظنه الخيال الشعري) بأنه عانق فيها عندما ودعها رجلا هو طارق بن زياد!
في التفكيك الصعب للمعنى، احترت في مقاصد الشاعر، فهو شاعر لا يفسره قارئ، ولايفك لغز معناه متمكن من نظريات النقد الأدبي، وتلتفت يمينا ويسارا تبحث عن معانيه المحيرة!
فإن أردت المعنى عاطفيا فهو كذاك، وأن فسرته تاريخيا فقد وصلت، وإن تداركته كصنعة شعر فأنت عنده، في قوافي نزار تجد كل المتحركات من الأحاسيس، وتعثر لكل تفسير محل، وكأنه يطبق بحرفية "ما يطلبه المشاهدون"!
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أن الذين عنتهم أجدادي ..
عانقت فيها عندما ودعتها
رجلاً يسمى "طارق بن زياد"..
alzmi1969@